252
الثلاثين»؛ فهذه الرسائل قد حَلَّتْ طلسمَ الفعالية المحيِّرة في الكائنات، وبيَّنتْ مُعمَّى خِلْقة الكائنات وعاقبتِها، وكشفَتْ سرَّ حكمة الحركات في تحوُّلات الذرَّات؛ وهي رسائل مُتاحةٌ متداولة.
وكذا وحدةُ الربوبية من غير شريكٍ بسرِّ الأحدية، وحقائقُ القُرْبيَّةِ الإلهية بلا نهاية، مع بُعْدِيَّتِنا نحن بلا نهاية؛ وهي حقائق تثير الحَيرة، قد بيَّنتْها بوضوحٍ تامٍّ كلٌّ من «الكلمةِ السادسة عشرة» و«الكلمةِ الثانية والثلاثين»؛ بينما تكفَّل بالكشفِ عن سرِّ الوحدةِ العظيمِ وأبانَ عنه «المكتوبُ العشرون» مع ملحقِه ذي التمثيلات الثلاثة، عند بيان كلمة ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [هود:4]، وهو المكتوب الذي أظهر بكمال الوضوح أن الذرَّات تتساوى مع السيارات بالنسبة للقدرة الإلهية، وأن إحياءَ جميعِ ذوي الأرواح في الحشر الأعظم سهلٌ على القدرةِ الإلهية سهولةَ إحياءِ نفسٍ واحدة، وأن دخول الشِّرك في خلقِ الكون بعيدٌ عن العقل بدرجة الامتناع.
ثم على الرغم من أن في الحقائق الإيمانية والقرآنية سعةً يعجَز أن يحيط بها أعظم ذكاءٍ بشري، إلا أنها ظهرتْ بأكثريتها المطلقة وبدقائقها لدى رجلٍ مثلي مشتَّتِ الحال مشوَّشِ الذهن يؤلِّف بسرعةٍ في ظروفٍ حرِجةٍ دون مراجعة كتاب؛ فليس ظهورها هذا إلا أثرًا مباشرًا للإعجاز المعنوي للقرآن الحكيم، وجَلوةً من جَلَوات العناية الربانية، وإشارةً غيبيةً قوية.
الإشارة الرابعة:
لقد أُحسِن إلينا بخمسين أو ستين رسالةً على هذا النحو، فهي ليست تآليفَ من النوع الذي يقوم به جماعةٌ من أهل التدقيق والذكاء العالي بهمَّتهم وسعيهم، فضلًا عن أن تكون تآليفَ شخصٍ مثلي لا يشغل وقته بِكَدِّ الفِكر، بل يتتبع سنوحات قلبه ولا يجد وقتًا للتدقيق؛ مما يُظهِر بوضوحٍ أنها أثرُ عنايةٍ مباشِرة؛ ذلك أن جميع الحقائق العميقة