203

نعود للموضوع الأساسي.. إن السنوات التي ألَّف فيها بديع الزمان رسائلَ النور أثناء إقامته الجبرية بـ«بارلا» كانت لها أهميةٌ بالغةٌ بحيث تُقدَّر اللحظة منها بدهر؛ فكما أن ساعةً من نوبةِ حراسةٍ في ظروفٍ قاسيةٍ كالشتاء ببردِه القارس وجليده وأهواله أفضل من عبادة سنة، فكذلك الأمر في ذلك الزمن المُكْفَهِرِّ العصيب، فإن كتابة رسالةٍ حقيقيةٍ واحدةٍ فقط -لا مئةً وثلاثين رسالة- تتناول حقائق الإيمان والإسلام تَعْدِل آلاف الرسائل قيمةً وأهميةً.

نعم، فلقد كان أهلُ الدين في تلك المرحلة البئيسة المروِّعة من حكمِ اللادينية الرهيب يتجرَّعون ألوانًا من الإهانة والإذلال، وبلغ الأمر برجال تلك الحقبة أنْ فكَّروا بإزالةِ القرآن واجتثاثِ العقائد الدينية نهائيًّا كما كان يُفعل في روسيا، إلا أنهم تخوَّفوا أن ينقلب الأمر عليهم بنتيجةٍ عكسيةٍ من قِبَل أبناء الشعب المسلم، فأحجموا عنه واتخذوا بدلًا منه قرارًا مفاده: «أن الشباب الذي سيتخرج وفق مناهج التعليم الجديدة التي سنقررها في المدارس، سيتولى بنفسه إزالة القرآن وإقصاءَه، وبهذه العملية نقطع صلة الشعب بالإسلام»؛ ولم يكن القائمون على تلك الخطط الجهنمية وصناعُ تلك الفتن المروِّعة سوى زعماء تيارات الإلحاد في الخارج ورجالهم في الداخل، وهم اليوم أعداء الدين المعارضون لعودته وازدهاره.

ونحن نُحيل الكشفَ عن الوجه القبيح لتلك الخطوب المروِّعة التي ألمَّت بالشعب التركي وتبيينَ تفاصيلها إلى المؤرخين المنصفين في المستقبل، وإلى المحررين الأتراك المسلمين، لينشروا هذه الحقائق في أجواء الحرية التي أرستْها حكومة الحزب الديمقراطي الذي يتولى أمورَ البلاد اليوم.

إن وظيفتنا الوحيدة والحصرية هي أن ننشغل بالحقائق الإيمانية والقرآنية، فنحن حصرًا في تيار الإسلام والإيمان لا غير.

أجل، ففي أشد أزمنة الزندقة والضلالة وحشيةً وضراوةً كان بديع الزمان تحت