218

المكتوب السادس

باسمه سبحانه.. وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده

سلامُ الله ورحمتُه وبركاتُه عليكما وعلى إخوانكما ما دام الـمَلَوان، وتعاقَبَ العصران، وما دارَ القَمَران، واستَقبَل الفَرْقَدان [المَلَوان: الليل والنهار، والعَصران: الغداة والعَشيّ، والقمَران: الشمس والقمر، والفَرْقَدان: نَجمان قريبان من القطب؛ هـ ت]

إخواني أصحابَ الهمَّة، رفاقي أهلَ الحَمِيَّة، يا سلوتي في ديارِ غربةٍ تُدعى الدنيا..

لما كان المولى الكريم سبحانه قد جعلكم شركاء لي في المعاني التي أنعَمَ بها على فكري، فمن حقِّكم أن تكونوا شركائي في مشاعري وأحاسيسي أيضًا.

سأحكي لكم بعضًا مما قاسَيْتُ من ألم الفراق في غربتي هذه، وأُعرِض عن كثيرٍ منه أشدَّ إيلامًا لئلا أُحزنكم.

لقد مضى عليَّ حتى الآن شهران أو ثلاثة وأنا وحيدٌ منقطع، وربما أتاني ضيفٌ كلَّ خمسة عشر يومًا أو عشرين، فأبقى وحيدًا سائرَ الوقت؛ بل حتى أهلُ الجبل لم يبق منهم أحدٌ هنا منذ نحوِ عشرين يومًا، فقد تفرقوا.

وهكذا، فما إن يُرخي الليل سُدُولَه على هذه الجبال الغريبة حيث لا صوتَ ولا صدًى سوى حفيف الأشجار الحزين.. أَجدني أتقلَّب بين خمسة أنواعٍ متداخلة من الغربة:

فأُولاها أنني إذْ بلغتْ مني الشيخوخة ما بلغتْ، غدوتُ وحيدًا غريبًا عن معظم أصحابي وأحبَّائي وأقربائي، فشعرتُ بغربةٍ حزينةٍ بعد أن فارقوني ورحلوا إلى عالَم البرزخ.