206

وقد أُلِّفَت الرسائل ونُشِرَتْ بأسلوبٍ لم يُرَ مثلُه إلى يومنا هذا، فقد كان بديع الزَّمان سعيد النُّورْسِيّ شِبه أمِّيٍّ، لا يملك من وضوح الخطّ ما يمكِّنه من كتابة الرسائل واستنساخها بيدِهِ، فكان لهذا السبب يُمليها على الكُتَّاب بسرعة، فتُكتَب من فورها، ومع اشتغاله بالتأليف على هذا النحو ساعةً أو ساعتين في اليوم، ظهرت مؤلفاتٌ رائعةٌ استغرق إملاءُ بعضها عشر ساعاتٍ، أو اثنتي عشرةَ ساعةً، واستغرق بعضُها الآخر أقل من ذلك بكثير.

وكان الطلاب يتناقلون رسائلَ أستاذهم؛ فيستنسخون منها العديد من النُّسخ، ثم يأتونه بها فيُصحِّح أخطاء النُّسَّاخ، وكان من عادته في التصحيح أنه ينظر في النُّسخة مدقِّقًا دون أن يُضطر لمقابلتها بأصلٍ آخَر، وما يزال إلى الآن [كُتِبَ هذا الكلام في حوالي العام 1957م؛ هـ ت] يُصحِّح الرسالة التي ألَّفها قبل خمسٍ وعشرين أو ثلاثين سنةً من غير حاجةٍ لأن يرجع إلى نسختها الأصل.

وكان يَقدَم عليه طلابٌ من القرى والنَّواحي المجاورة، فيأخذون الرسائل المؤلَّفة بلهفةٍ واهتمامٍ كبيرَينِ، ثم يرجعون فينشرونها كتابةً واستنساخًا بخط أيديهم.

ألَّف بديع الزَّمان رسائلَ النُّور دون الرجوع إلى كتابٍ سوى القرآنِ، ولم يكن لديه وقتَ التأليف أيُّ كتابٍ، وكما قال الشاعر المرحوم محمد عاكف:

فلْنُعرِّف -في هذا العصر- الإسلامَ للأذهان

بالاستلهام مباشرةً من وحي القرآن

وقد تيسَّر لبديع الزمان تحقيقُ معنى هذا البيت.

ولم يعرف التاريخ طريقةً نُشِرتْ بها مؤلَّفاتٌ كالتي نُشِرتْ بها رسائل النُّور، ونوضِّح ذلك بما يلي: