226

فعشرون بالمئة من هؤلاء الأكثرية سُكارى، يحسبون -لسُكرهم- ذلك الوحلَ القذِر مسكًا وعنبرًا، فيضعون منه على وجوههم وأعينهم، ويمضون يتناوبُهم النهوض والسقوط إلى أن يغرقوا؛ أما الثمانون بالمئة فيدركون ما هم فيه، ويشعرون بقذارة المستنقع ونَتْنِه، إلا أنهم حائرون لا يهتدون سبيلًا.

ولدَينا إزاء هذا الفريق حَلَّان اثنان:

أحدهما: إيقاظ السُّكارى العشرين بالمئة بالهِراوات.

والآخَر: إبانة الطريق الآمنة للحيارى بإظهار النور لهم.

وإنني أنظر فأرى معظم المشتغلين بالإصلاح يمسكون بأيديهم الهِراوات تجاه العشرين السُّكارى، بينما لا يَظهر النورُ بحقٍ لأولئك الثمانين المساكينِ الحيارى، وحتى لو ظهر فإنه لا يبعث على الطمأنينة، لأنه موجودٌ جنبًا إلى جنبٍ مع الهِراوة، فيسألُ الحائرُ نفسَه في قلقٍ واضطراب: تُرى أيريد هذا أن يجذبني بالنور ليضربني بالهِراوة؟

ثم إن الهِراوة قد تنكسر لعارضٍ ما، وحيندئذٍ يتلاشى ذلك النور أو ينطفئ.

وهكذا، فأما المستنقع فهو الحياة البشرية الاجتماعية التي تعجُّ بالغفلة والضلالة والرذيلة.

وأما السُّكارى، فهم المتمرِّدون المتلذذون بالضلالة.

وأما الحيارى، فهم الذين يكرهون الضلالة وينفرون منها، ولكنهم لا يستطيعون الخروج منها، فهم أناسٌ حائرون يريدون الخلاص لكنهم لا يجدون إليه سبيلًا.

وأما الهِراوات فهي التيارات السياسية؛ وأما الأنوار فهي الحقائق القرآنية؛ والنور لا يُحارَب ولا يُعادى، ولا يُبغِضه ويَنفرُ منه سوى الشيطانِ الرجيم، ولهذا فإني كي أحافظ على نور القرآن قلتُ: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة»، وألقيتُ هِراوةَ السياسة جانبًا، وأمسكتُ بالنور بكِلْتا يديَّ.