271

وأستاذي بارعٌ جدًّا في علم الحكمة الحقيقية على نحوٍ خاصٍ، أي في ميدان حكمة الشريعة والدين، بل هو متفوقٌ حتى في الحكمة البشريَّة؛ حتى إنني لأستطيع القول: إنَّه قد فاق أفلاطون وابن سينا في ذلك العلم؛ ولما كان عضوًا في «دار الحكمة» قبل ثلاث عشرة سنة، تناول كتاب «فتوح الغيب» للقُطب الربَّاني والقنديل النوراني «عبد القادر الجيلاني» رضي الله عنه، الذي كان بإذنٍ إلهيٍّ مَظهَر عونٍ ونصرةٍ وحمايةٍ له منذ صغره، ففتح الكتاب على سبيل الفأل، فظهرت له عبارة: «أنت في دار الحكمة، فاطلب طبيبًا يداوي قلبك»، فكانت عبارةً بالغةَ الأثر في نفسه، وكانت السبب في تحويله من «سعيدٍ القديم» إلى «سعيدٍ الجديد» رضي الله عنه.

وكان «سعيدٌ القديم» قد أجاب على الأسئلة الدينية التي وجهها الإنكليز جوابًا وجيزًا مُسكِتًا، وله في علم المنطق رسالةٌ بديعةٌ تسمى: «التعليقات» تفوق ما ألَّفه ابن سينا في هذا الباب؛ وقد أوصل الإشكالَ المنطقيَّ في القياس الاستقرائي إلى عشرة آلاف إشكالٍ، مُظهِرًا درجةَ إحاطةٍ لم يبلغها غيره من العلماء.

وقد وجدتُ في مؤلَّفٍ له بعنوان «السُّنوحات» أنَّه رأى نفسه يتلقى دروسًا من الرسول الأكرم (ص) في مدرسةٍ في عالَم المعنى، فألَّف تفسيرَه البديع المسمَّى «إشارات الإعجاز» بناءً على ذلك الدرس المعنوي؛ وقد قال لي يومًا: «لولا أن الحرب العالمية بأحداثها ونتائجها منعتني، لكتبتُ إشارات الإعجاز في ستين مجلَّدًا بإذن الله»، لكنَّ رسائل النور ستَحُلُّ محلَّ هذا التفسير إن شاء الله.

إنَّ لديَّ الكثير من المشاهدات المهمة على مدى سبعِ أو ثماني سنواتٍ من صحبتي لأستاذي، لكنني بناءً على القاعدة القائلة: «القطرةُ تدل على البحر»، أجد أنَّ هذه الفقرة كافية للدلالة على البحر؛ فلقد كتبتُها على عجَلٍ إذْ حان وقت مفارقتي له، وأنا على يقينٍ من أنَّه سيشملني بدعائه بسرِّ آية: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ [النساء:36] إذْ وجدني مرَّات عديدة حَقيقًا بصحبته.

الحافظ خالد

***