439

فلما علِم ذلك قال: الحمد لله على نعمةِ الإيمان.

وقد عبَّرتِ المرتبةُ السادسة من المقام الأول عن معنى هذه الحقائق والشهادات، فذُكر فيها:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجودِ، الذي دَلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته إجماعُ جميعِ أنواعِ الأشجارِ والنباتاتِ المُسبِّحاتِ الناطقاتِ بكلماتِ أوراقِها الموزوناتِ الفصيحاتِ، وأزهارِها المُزَيَّناتِ الجزيلات، وأثمارِها المُنْتظماتِ البليغاتِ، بشهادةِ عَظَمَةِ إحاطةِ حقيقةِ الإنعام والإكرامِ والإحسانِ بقصدٍ ورحمةٍ، وحقيقةِ التمييزِ والتزيينِ والتصويرِ بإرادةٍ وحكمةٍ، مع قطعيَّةِ دلالةِ حقيقةِ فتحِ جميعِ صورها الموزوناتِ المُزيَّناتِ المتباينةِ المتنوِّعةِ غيرِ المحدودةِ من نَواتاتٍ وحباتٍ متماثلةٍ متشابهةٍ محصورةٍ معدودة.

ثم إن مسافر الدنيا الشَّغوفَ هذا المستغرقَ في السياحة الفكرية، والذي ازداد بالترقِّي ذَوقًا وشوقًا، بينما كان قادِمًا من حديقة الربيع يحمل باقةَ معرفةٍ وإيمانٍ بقدرِ الربيع، إِذِ انفتح لفكره التوَّاق إلى المعرفة ولعقله المشتاق إلى الحقيقة بابُ عالَمِ الحيوانات والطيور، فدَعَتْه بمئاتِ آلافِ الألسنةِ المختلفة والأصواتِ المتباينة قائلةً: هَلُمَّ إلينا.

فدخل، فرآها بجميع أنواعها وطوائفِها وأُمَمِها تُردِّد بالاتفاق وبلسان الحال والمقال: لا إله إلا هو؛ جاعلةً وجهَ الأرض في هيئةِ رِباطِ ذكرٍ ومجلسِ تهليلٍ عظيم.

ورأى كلَّ واحدٍ منها يمثِّل بذاته قصيدةً ربانية، وكلمةً سُبحانيَّة، وحرفًا رحمانيًّا ذا معانٍ؛ فهو يَصِفُ صانعَه ويَحمَدُه ويُثْني عليه، حتى لَكأنَّ أحاسيسَ هذه الحيوانات والطيور وقُواها وأجهزتَها وأعضاءَها وآلاتِها كلماتٌ موزونةٌ منظومةٌ، وأقوالٌ بليغةٌ منتظَمَة.

وشاهد ثلاث حقائق عظيمةً محيطةً، دالَّةً دلالةً قطعيَّةً على شكرِها لخلَّاقها ورزَّاقها، وعلى شهادتِها له بالوحدانية بكلماتها وأقوالها: