442

وتَبَدَّتْ له مرتبةٌ أخرى عظيمةٌ من مراتبِ قدسيَّةِ الإيمان.

أجل، فإن إجماعَ هؤلاء المخبرين الجادِّين -أعني الأنبياء عليهم السلام- وتواترَهم واتفاقَهم في المسائل المُثْبَتة؛ وتَوافقَهم وتَسانُدَهم وتَطابُقَهم في الإثبات؛ فضلًا عن معجزاتهم التي لا تُحَدُّ، والتي تُمثِّلُ تصديقًا فعليًّا لهم من قبلِ الحقِّ سبحانه؛ والصفعاتِ السماوية الكثيرة النازلة بمعارضيهم المُظهِرةِ لحقَّانيَّتهم؛ وكمالاتِهم الشخصية الدالَّة على أنهم حق؛ وتعاليمِهم المطابقة للحقيقة؛ وقوةِ إيمانهم الشاهدة لصدقهم، وجِدَّيتِهم التامة وتضحياتِهم، وما بأيديهم من الصُحُفِ والكتبِ القدسية؛ إضافةً لما لا يُحَدُّ من تلاميذهم الواصلين باتباعهم إلى الحقيقة والكمالات والنور، الشاهدين بأن طريقهم حقٌّ وصواب؛ إنما يمثِّل قوَّةً لا تواجهها أيَّةُ قوةٍ في الدنيا، ويَنهَضُ حُجَّةً لا تُبقي من التردُّد والشبهة شيئًا.

وفَهِم أن دخول التصديق بعموم الأنبياء في أركان الإيمان منبعُ قوةٍ عظمى، ونال من دروسهم إمداداتٍ وبركاتٍ إيمانيَّةً جمَّة.

وهكذا عَبَّرتِ المرتبةُ الثامنة من المقام الأول عن معنى درسِ المسافر المذكور هذا، فذُكِرَ فيها:

لا إله إلا اللهُ الذي دلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته إجماعُ جميع الأنبياءِ بقوَّةِ معجزاتهم الباهرةِ المُصدِّقةِ المصدَّقة.

ثم إن هذا السَّياحَ الطالبَ الذي نال من قوَّةِ الإيمان لذةً عُلويةً سامية، بينما كان قادمًا من مجلس الأنبياء عليهم السلام، إذْ دعاه مَن يُسَمَّون بالأصفياء والصِّدِّيقين، وهم العلماء المتبحِّرون المجتهدون المحقِّقون، الذين أثبتوا دعاوى الأنبياء عليهم السلام بالأدلة القويَّة القطعيَّة بصورةِ علم اليقين، دعَوْه إلى مدرستهم.

فدخل، فرأى آلافَ العباقرة والجهابذة، ومئاتِ آلافِ المدقِّقين وأهلِ التحقيق