446

وهكذا أشارت المرتبةُ الحاديةَ عشرةَ من المقام الأول إشارةً موجزةً إلى الدرس الذي تلقَّاه هذا المسافر من الملائكة، فذُكِر فيها:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجودِ، الذي دلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته اتفاقُ الملائكةِ المتمَثِّلين لأنظار الناسِ، والمتكلِّمين مع خواصِّ البشر، بإخباراتهم المتطابقة المتوافقة.

ثم إن هذا الضيف الشَّغوف المتلهِّف بعد أن تلقى الدرسَ في عالَم الشهادةِ بجهةٍ ماديّةٍ وجسمانيّةٍ من طوائفَ مخصوصةٍ بلُغاتِها وألسنةِ أحوالها، رغِبَ في السياحة والمطالعة وطلبِ الحقيقة في عالَم الغيبِ وعالَم البرزخ؛ فانفتح له بابُ العقولِ المستقيمة المنوَّرة والقلوبِ السليمة النورانيَّة، التي لا تخلو منها طائفةٌ من طوائف البشر، والتي هي بمثابةِ نواةٍ للإنسانِ ثمرةِ الكون، والتي يمكنها برغم صِغَرها أن تنبسِطَ معنًى بقدر الكون.

فنظر، فرأى أنها برازخُ إنسانيةٌ بين عالَم الغيب وعالَم الشهادة، وأنها -بالنسبة إلى الإنسان- نقاطُ التَّماسِّ والمعاملة بين كِلا العالَمَين، فقال لعقله وقلبه: تعالَيا، فالطريق المؤدي إلى الحقيقة من باب أمثالكما أقصر؛ وعلينا أن نستفيد الدرسَ هنا لا كما تلقَّيناه من ألسنة الطُّرق الأخرى، بل بمطالعةِ أوصافِ العقول والقلوب وكيفياتِها وألوانِها من حيث الإيمان.

وأخذ يقرأ، فرأى جميعَ العقولِ المستقيمةِ المنوَّرةِ، المختلِفةِ غايةَ الاختلاف استعداداتُها، المُتخالِفةِ المتباعدةِ مذاهبُها، تتوافق اعتقاداتُها في الإيمان والتوحيد بكمالِ التحقق والرسوخ، وتتطابق يقينياتُها وقناعاتُها بثباتٍ واطمئنان؛ ما يعني أنها مرتبطةٌ ومستندةٌ إلى حقيقةٍ لا تتبدَّل، وضاربةٌ في حقيقةٍ متينةٍ بجذورٍ لا تُقتَلَع؛ وعلى هذا فإجماع هذه العقول على نقطة الإيمان والوجوب والتوحيد هو سلسلةٌ نورانيةٌ لا تنقطع، ونافذةٌ مُشْرِقةٌ تُطِلُّ على الحقيقة.