447

ورأى كذلك جميعَ القلوب السليمة النورانيَّة، المتباينةِ مشاربُها، المتباعِدةِ مسالكُها، تتطابق في التوحيد، وتتوافقُ في الأركان الإيمانية مشاهداتُها وكشفيَّاتُها باتفاقٍ واطمئنانٍ وانجذاب؛ ما يعني أن هذه القلوب النورانيَّةَ المقابِلةَ للحقيقة، الواصلةَ إليها، المتمثِّلةَ لها، والتي كلُّ واحدٍ منها عرشُ معرفةٍ ربَّانيَّةٍ مُصغَّر، ومرآةٌ صمدانيَّةٌ جامعة، إنما هي نوافذُ مُشرَعةٌ على شمس الحقيقة، وأنها بمجموعها مرآةٌ عظمى -أشبه ببحرٍ- تعكس تلك الشمس.

وفهم أن اتفاقَها وإجماعَها على وجوب الوجود والوَحدة مرشدٌ أكبر ودليلٌ أكمل لا يَضِلُّ ولا يُضِلّ؛ بحيث لا إمكان ولا احتمال بأيَّةِ جهةٍ أن يَخدعَ وهمٌ باطلٌ أو فكرٌ لا حقيقة له أو صفةٌ لا أصل لها عمومَ هذه الأنظار الحادة العظيمة المستمرَّة الراسخة أو يوقعها في حسٍّ غلطٍ؛ وفهم أن العقل الفاسد السقيم الذي يقبل احتمالًا كهذا هو عقلٌ يردُّه ويرفضُه حتى السوفسطائيون الحمقى المنكرون للموجودات.

فقال بعقله وقلبه معًا: آمنتُ بالله.

وهكذا أشارت المرتبتان الثانية عشرة والثالثة عشرة من المقام الأول بإيجازٍ إلى المعرفة الإيمانية التي استفادها هذا المسافر من العقول المستقيمة والقلوب المنوَّرة، فذُكِر فيهما:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجود، الذي دلَّ على وجوب وجوده في وَحدته إجماعُ العقول المستقيمةِ المنوَّرةِ باعتقاداتها المتوافقة، وبقناعاتها ويقينيَّاتها المتطابقة، مع تخالُفِ الاستعدادات والمذاهب؛ وكذا دلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته اتفاقُ القلوب السليمة النورانيَّة، بكشفيَّاتها المتطابقة، وبمشاهداتها المتوافقة، مع تبايُن المسالك والمشارب.

 ثم إن هذا المسافرَ السائحَ في العقل والقلب، الناظرَ إلى عالَم الغيب عن قُرْب، طرَقَ بابَ هذا العالَم بلهفةٍ متسائلًا: وماذا يقول عالَم الغيب يا تُرى؟