452

فإنه يُفْهَمُ بداهةً أن مكالمتَه سبحانه مكالمةٌ كُلِّيَّةٌ محيطةٌ كعلمه وقدرته، تتجلى في كلِّ شيءٍ بحسَب قابليَّته، فلا يمنعُ ولا يخالِطُ سؤالٌ سؤالًا، ولا عملٌ عملًا، ولا خطابٌ خطابًا.

وعَلِم عِلْمَ يقينٍ أقربَ إلى عينِ اليقين أن جميع هذه الجَلوات والمكالمات والإلهامات، تشهد بأفرادها ومجموعها وتدُلُّ بالاتفاق على حضور الشمسِ الأزليِّ ووجوبِ وجوده ووَحدته وأَحَدِيَّتِه.

وهكذا أشارت المرتبتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة من المقام الأول إشارةً موجزةً إلى درس المعرفةِ الذي تلقَّاه ذلك الضيف الشَّغوف من عالَم الغيب، فذُكِر فيهما:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجودِ الواحدُ الأحد، الذي دلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته إجماعُ جميع الوَحْياتِ الحقَّةِ المتضمِّنةِ للتنزُّلات الإلٰهيَّة وللمكالمات السُّبحانية وللتعرُّفات الربَّانيَّة وللمقابلات الرحمانية عند مناجاة عباده، وللإشعارات الصَّمَدانيَّة لوجوده لمخلوقاته؛ وكذا دَلَّ على وجوبِ وجوده في وحدته اتفاقُ الإلهامات الصادقة المتضمِّنةِ للتودُّدات الإلٰهية وللإجابات الرحمانية لدعواتِ مخلوقاته، وللإمدادات الربَّانيَّة لاستغاثاتِ عباده، وللإحساساتِ السُّبحانيَّةِ لوجوده لمصنوعاته.

ثم إن سَيَّاحَ الدنيا هذا قال لعقله: ما دمتُ أبحثُ عن خالقي ومالكي بواسطة موجوداتِ هذا الكون، فلا ريب أن أَولى من ينبغي أن نزورَه فنسألَه عما نبحث عنه هو محمدٌ العربيُّ (ص)، إذْ هو أشهرُ الموجودات وأكملُها حتى بشهادة أعدائه، وهو أرفعُها بيانًا وأسطعُها عقلًا، وهو أعظمُ قائدٍ وأشهرُ حاكم، وهو مَنْ أنار بفضائله وقرآنه أربعةَ عشر قرنًا؛ فلا بد إذًا من الذهاب إلى عصر السعادة.

فدخل بعقله إلى ذلك العصر، فرآه قد أصبح بفضل ذلك السيد الكريم عصرَ سعادةٍ للبشرية حقًا؛ ذلك أنه أخرج بالنور الذي جاء به أشدَّ الأقوام بداوةً وأُمِّيَّةً فصَيَّرهم في زمنٍ يسيرٍ أساتذةَ الدنيا وحُكَّامَها.