455

وكذا ما أبداه في تبليغ الرسالة ودعوةِ الناسِ إلى الحقِّ من صلابةٍ وثباتٍ وشجاعة؛ بل لم يكنْ منه مقدارُ ذَرَّةٍ من تردُّدٍ أو قلقٍ أو خوف رغم شدة المعاداة التي لقيها من الدول العظمى والأديان الكبرى، بل حتى من قومه وقبيلته وعمومته؛ فلقد تحدى وحدَه العالَم بأسره حتى غَلَبَه وظَهَر عليه وجعل قيادَه للإسلام؛ إن هذا لَيُثبِتُ أنه لم يكن له مثيلٌ حتى في الدعوة والتبليغ ولا يمكن أن يكون.

ثم إنه من حيث الإيمان يتحلى بيقينٍ راسخ، وقوةٍ فائقة، ورُقيٍّ مُعجِز، واعتقادٍ عُلْويٍّ يُنير الدنيا؛ فعلى الرغم من أن جميعَ الأفكارِ والعقائدِ وحكمةِ الحكماء وعلومِ الزعماء الروحيين المهيمنةِ في ذلك الزمان قد خالفتْه وعارضتْه وأنكرتْ عليه، إلا أن ذلك لم يُوْرِثْه ذرَّةَ شبهةٍ أو تردُّدٍ أو ضَعفٍ أو وسوسةٍ في يقينه أو اعتقاده أو اعتماده أو اطمئنانه؛ بل إنه لَينهَلُ من فيضِ مرتبته الإيمانية في كلِّ حينٍ جميعُ مَن ترقَّوا في المعنويات والمراتب الإيمانية، وفي مقدمتهم الصحابة وجميعُ أهل الولاية، ويرونه في أعلى درجاتها، مما يُظهِر بالبداهة ألَّا نظير له حتى في إيمانه.

وهكذا أدرك السَّيّاحُ وصدَّق عقلُه بأن مَن كان صاحبَ شريعةٍ لا نظير لها، وإسلامٍ لا مثيل له، ودعاءٍ لا مكافئ له، مع عبوديَّةٍ فائقة، وإيمانٍ مُعجِز، ودعوةٍ تتحدى العالَم؛ لم يكنْ لِيَكذِب أو يَخدَع بأي شكلٍ من الأشكال.

رابعُها: كما أن إجماعَ الأنبياء عليهم السلام دليلٌ في غاية القوة على وجود الله ووحدانيته، فإنه كذلك شهادةٌ في غاية الإحكام على صدقِ هذا السيد الكريم (ص) ورسالته؛ ذلك أن كلَّ ما عليه مدارُ صدقِ هؤلاء الأنبياء ونبوَّتِهم من صفاتٍ قدسيةٍ ومهامَّ ومعجزاتٍ موجودٌ بأعلى رتبةٍ عنده (ص) ومصدَّقٌ تاريخيًّا.

أي إنه كما بَشَّر الأنبياءُ الناسَ بمجيئه (ص) وأخبروهم به بلسان المقال في صُحفهم وفي التوراة والإنجيل والزبور -وقد أُثبِتَتْ في «المكتوب التاسع عشر» أكثرُ من عشرين إشارةً مبشِّرةً وَرَدَتْ في الكتب المقدسة وبُيِّنَ بعضٌ جليٌّ منها بيانًا حسنًا- فإنهم بألسنةِ