460

وهكذا أوجزت المرتبةُ السادسة عشرة من المقام الأول الإشارةَ إلى الدرس الذي تلقَّاه ضيفُ الدنيا ومسافرُ الحياة السائحُ بعقله في عصر السعادة من تلك المدرسة النورانية، فذُكِر فيها:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجودِ الواحدُ الأحدُ الذي دلَّ على وجوبِ وجوده في وَحدته فخرُ العالَم وشرفُ نوعِ بني آدم، بعَظَمةِ سلطنةِ قرآنِه، وحَشْمةِ وُسْعةِ دينه، [المراد بالحَشمة هنا وحيثما وردت في المؤلفات العربية للأستاذ النُّورْسِيّ: الجلال والعَظَمَةُ والمهابة، والأُبَّهَةُ والفخامة، وهي من الكلمات العربية التي تَحَوَّر معناها لدى استعمالها في اللسان التركي؛ هـ ت] وكثرةِ كمالاته، وعُلْوِيَّةِ أخلاقه، حتى بتصديق أعدائه؛ وكذا شَهِد وبرهَنَ بقوَّةِ مئاتِ معجزاته الظاهرة الباهرة المصدِّقةِ المصدَّقة، وبقوَّةِ آلافِ حقائق دينه الساطعة القاطعة، بإجماعِ آله ذوي الأنوار، وباتفاق أصحابه ذوي الأبصار، وبتوافق محقِّقي أمته ذوي البراهين والبصائر النوَّارة.

ثم إن هذا المسافر الذي ما زال يستزيد من غير كَلَل، والذي عرَفَ أن الإيمان هو حياةُ الحياة وغايةُ الحياة في هذه الدنيا، قال لقلبه: هيا بنا نراجع الكتاب المسمَّى القرآنَ المعجزَ البيان فنعرفَ ماذا يقول؛ إذْ هو كلامُ مَن نبحثُ عنه وقولُه كما هو معلوم، وهو أشهرُ كتابٍ عرَفَه العالَم، وهو أسطعُ الكتب نورًا وأقواها حاكميةً، وهو الكتاب الذي يتحدى على مَرِّ الأعصار كلَّ مَن لا يُسَلِّم له؛ لكنْ علينا أن نُثبِت أولًا أنَّه كتابُ خالقنا؛ فشرَعَ في التحرِّي.

وبما أن هذا السَّيَّاح كان من أبناء هذا الزمان، فقد نظر أولَ ما نظرَ في رسائل النور التي هي لمعاتٌ من لمعاتِ الإعجاز المعنويِّ للقرآن الكريم، فرأى أن رسائلها المئةَ والثلاثين هي نُكاتٌ لآياته الفرقانية، وأنوارٌ من أنوارها، وتفاسيرُ أصيلةٌ لها؛ ورأى كذلك أنه لم يقدر أحدٌ على مواجهتها رغم أنها نَشَرت الحقائقَ القرآنيَّةَ في كل