464

النقطة الرابعة: إن القرآن لَيُظهِرُ حلاوةً وعذوبةً حقيقيةً فلا يَمَلُّه تاليه، مع أن كثرة التكرار تُورِثُ المرءَ سآمةً حتى من أحلى الأشياء وألذِّها؛ بل إنه لَيَزداد حلاوةً بتكرار التلاوة، وذلك عند مَن لم يَفسُدْ قلبُه ولم يَخْتَلَّ ذوقُه؛ وهذا أمرٌ مُسلَّمٌ به لدى الجميع منذ القديم، حتى صار مضرِب المثل.

ثم إنه لَيُبدي أيَّما نضارةٍ وفتوةٍ وشبابٍ وغرابة!! فمع أنه مضى على نزوله أربعة عشر قرنًا، وصار بمتناول يدِ كلِّ إنسان، إلا أنه ظلَّ محافظًا على نضارته كأنه أُنْزِل الآن؛ وما يزال أهلُ كلِّ عصرٍ يَرون فيه جِدَّةً وشبابًا كأنه يخاطبهم بالذات.

ومع أن كلَّ طائفةٍ علميةٍ اتبعتْه واقتدتْ به في أسلوب تعبيره، وأبقتْه قريبَ المنال لتستفيد منه في كل آن، إلا أنه ظلَّ محتفظًا بذاتِ الغرابةِ والفَرَادة التي ينطوي عليها أسلوبُه وطرازُ بيانه.

النقطة الخامسة: إن للقرآن جناحَين؛ أحدهما في الماضي والآخر في المستقبل؛ فجذرُه وأحدُ جناحيه: الحقائقُ التي اتفق عليها الأنبياء السابقون..

فكما صدَّقهم القرآن وأيَّدهم، وكما صدَّقوه بلسانِ حالِ تَوافقِهم؛ فكذلك ثمراتُ القرآن التي تستمد حياتَها منه كالأولياء والأصفياء، وكذا جميعُ علوم الإسلام الحقيقية، وجميعُ طُرُق الولاية الحقِّ التي نشأتْ وترعرعتْ تحت كنف الجناح الثاني، ودلَّتْ بتَكَمُّلِها الحيِّ على أن شجرةَ القرآن المباركةَ مدارُ الحقيقة والفيض والحيوية، فإن جميعَ هذه تَشهد أن القرآن عينُ الحقِّ ومَجمَعُ الحقائق، وأنه فذٌّ فريدٌ لا مثيل له في جامِعِيَّته.

النقطة السادسة: إن جهاته السِّتَّ نورانيَّةٌ تُبيِّن صِدقَه وحَقَّانِيَّتَه.

أجل، فمن تحته: أعمدةُ الحجة والبرهان؛ وفي أعلاه: لمعاتُ سِكَّة الإعجاز..

وأمامَه وهدفُه: هدايا سعادة الدارين؛ وخلفَه ونقطةُ استناده: حقائقُ الوحي السماوي..