465

وعن يمينه: ما لا يحصى من العقول المستقيمة التي صدَّقته بالأدلة؛ وعن يساره: القلوبُ السليمة والضمائر النقيّة التي اطمأنتْ إليه اطمئنانًا راسخًا، وسلَّمتْ له وانجذبت إليه بمنتهى الصدق..

فكما تُثبِت هذه جميعُها أن القرآن قلعةٌ سماويَّةٌ أرضيَّةٌ بديعة، حصينةٌ منيعة، توجَد كذلك سِتَّةُ مقاماتٍ تُوقِّعُ على أن القرآن هو عينُ الحق، وأنه صادقٌ لا يأتيه الباطل، وأنه ليس من كلام البشر:

فأوَّلها إمضاءُ وتصديقُ المتصرِّف في هذا الكون، الذي جعل سُنَّةَ إظهارِ الحُسنِ وحمايةِ الخير والحق ومَحْقِ المخادعين والمفترين وإهلاكِهم دستورًا لفعاليَّته في هذا الكون؛ إذْ منحَ القرآنَ مقامَ حرمةٍ ومرتبةَ توفيقٍ هي الأعلى في الدنيا رفعةً وقبولًا وحاكميَّة.

وكذلك اعتقادُ ذلك السيد الكريم (ص) الذي هو منبع الإسلام وتَرجُمان القرآن؛ إذْ كان أقوى الناس اعتقادًا بالقرآن وأعظمَهم احترامًا له؛ وكونُه في حالٍ تشبِه النوم عند تَنَزُّل القرآن عليه؛ وعدمُ بلوغِ سائرِ كلامِه منزلةَ القرآن، وعدمُ مشابهته إياه؛ وبيانُه من خلال القرآن ما مضى وما سيأتي من الحوادثِ الكونية الحقيقية الغيبية، بيانًا جازمًا لا يخالطه تردُّد بالرغم من أُميَّته؛ وعدمُ وُجدانِ أيَّةِ حالةِ كذبٍ أو حيلةٍ منه برغم أنظار التدقيق الكثيرة عليه من حوله؛ وإيمانُه وتصديقُه الراسخ بكل حكمٍ من أحكام القرآن؛ وعدمُ زعزعةِ أيِّ شيءٍ له؛ فكلُّ هذا يُوقِّع على أنَّ القرآن سماويٌّ حقٌّ، وأنه كلامٌ مباركٌ للخالق الرحيم جلَّ جلاله.

وكذلك ارتباطُ خُمس النوع الإنساني بل القسمِ الأعظمِ منه بهذا القرآن الذي بين أيديهم ارتباطَ انجذابٍ وتديُّن؛ وإصغاؤهم له إصغاءَ مُنقادٍ إلى الحق توَّاقٍ إليه؛ واجتماعُ الجنِّ والملائكة والروحانيين وتحلُّقُهم عليه كالفَراش عند تلاوته وهم في حالةٍ من الشغف إلى الحقيقة كما شهدتْ بذلك أماراتٌ ووقائعُ وكشفيَّاتٌ كثيرة؛ فجميعُ هذا إمضاءٌ على أنه مقبولٌ لدى جميع العوالم، وأنه قد تبوَّأ أسمى مقام.