473

بجناحَيها وحقيقتَيها، وأوضحتْها تمام الإيضاح، فإننا نحيل عليها لنختم هذه المسألة الطويلة جدًّا.

أما ما يُثبِت الجناحَ الثاني للشهادة الكلية العظمى الآتية من مجموع هيئة الكون فهو:

الحقيقة الثانية: وهي حقيقة التعاون التي تُشاهَد في المخلوقات الساعيةِ -في خِضَمِّ التقلُّبات والتحولات المستمرة- لصيانةِ وجودِها ومُهِمَّتها، وأداء وظيفتها والحفاظ على حياتها إن كانت من ذوي الحياة، وهو تعاونٌ يَفوق قدرتها بالكُلِّية.

فمن ذلك إمدادُ العناصر لذوي الحياة، خصوصًا إمدادَ السحاب للنبات؛ ومساعدةُ النبات للحيوانات، ومعاونةُ الحيوانات للإنسان؛ وتغذيةُ الصِّغار بالحليب السائغ من الأثداء كالكوثر؛ وتأمينُ جميعِ ما تحتاجه الكائناتُ الحية من حاجاتٍ كثيرةٍ وأرزاقٍ خارجة عن اقتدارها وتسليمِها إياها من حيث لم تكن تحتسب؛ بل حتى مسارعةُ ذرَّاتِ الطعام لتعمير خلايا الجسم؛ ونحوُ ذلك من الأمثلة الكثيرة لحقيقة التعاون بالتسخير الرباني والاستخدام الرحماني؛ فهذه إنما تُظْهِر بشكلٍ مباشرٍ الربوبيَّةَ العُموميَّة الرحيمة لربِّ العالمين الذي يدير الكون بأجمعه كأنه قصر.

نعم؛ إن المتعاونين الذين يَظهَرون بمظهَر مَن له شعورٌ وشفقةٌ مع أنهم جماداتٌ لا شعور لها ولا شفقة، لا ريب أنهم يُدفَعون إلى هذا التعاون بأمرٍ وقوةٍ ورحمةٍ من ربٍّ رحيمٍ حكيمٍ ذي جلال.

وهكذا فشهاداتُ الحقائق العظيمة، كالتعاون العموميِّ الجاري في الكائنات؛ والموازنةِ العامةِ والمحافظةِ الشاملةِ الجاريتَين بكمال الانتظام، بدءًا من السَّيَّارات ووصولًا إلى أعضاء ذوي الحياة وأجهزتهم وما في أبدانهم من ذرَّات؛ والتزيينِ الدائرِ قلمُه من وجه السماوات المتلألئ، إلى وجه الأرض المُزيَّن، بل حتى إلى وجوه الأزهار