433

وهكذا سمِعَ هذا المسافرُ الشَّغوف شهادةَ حقيقةٍ ساميةٍ جليَّةٍ في الجو، تركَّبتْ من تسخيرِ السَّحَاب وتصريفِ الرياح وتنزيل المطر وتدبيرِ الحادثات الجوية، فقال: آمنتُ بالله.

وتُعبِّرُ فقرةُ المرتبةِ الثانية من المقام الأول عن مشاهداتِ هذا المسافر فيما يتعلق بالجو، فتقول:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجودِ، الذي دلَّ على وجوبِ وجوده الجوُّ بجميعِ ما فيه، بشهادةِ عَظَمَةِ إحاطةِ حقيقةِ التسخيرِ والتصريفِ والتنزيلِ والتدبيرِ الواسعةِ المُكَمَّلةِ بالمشاهدة.

[تنبيه: كنتُ أريدُ أن أوضِّح بقدرٍ ما مراتبَ التوحيد الثلاث والثلاثين التي مرَّتْ في المقام الأول، لكنني اضطُرِرْتُ للاكتفاء ببراهينها المختصرة جدًّا وبمجرد ترجمتها بسبب وضعي الصحي وعدم سماح حالتي؛ ولما كانت ثلاثون رسالةً من رسائل النور، بل مئةٌ منها، قد بَيَّنتْ -كلٌّ على حِدَةٍ- قسماً من تلك المراتب الثلاث والثلاثين مع دلائلها بأساليب مختلفة، فإنَّ التفصيلَ يُحالُ عليها؛ سعيد]

ثم إن كرةَ الأرضِ خاطبتْ بلسانِ حالها هذا المسافر المتفكِّر الذي أَلِفَ السياحةَ الفكرية، فقالت له: ما تَجْوالُك في السماء، وفي الفضاء وفي الهواء؟ تعالَ، سأُعَرِّفُكَ بمن تبحثُ عنه، شاهِد وظائفي، واقرأ صحائفي.

فنظرَ، فرآها تُشبِه مَولَويًّا مجذوبًا تَخُطُّ بحركتَيْها في أطرافِ ميدانِ الحشرِ الأعظمِ دائرةً يَنتُج عنها حصولُ الأيام والفصول والسنين.

ورآها سفينةً ربَّانيَّةً مَهِيْبَةً مُسَخَّرةً تَحمِل على متنها مئةَ ألفِ نوعٍ من ذوي الحياة بجميع أرزاقهم ولوازمهم، وهي تَمْخُر بهم عُبابَ الفضاء بكمال التوازن والنظام، وتطوف في سياحةٍ حول الشمس.

ثم نظر في صحائفها فرأى كلَّ صحيفةٍ من صُحُف أبوابها تُعرِّف ربَّ الأرض بآلاف الآيات، ولكنه لم يجد وقتًا ليطالعها جميعًا، فنظر في صحيفةٍ منها فحسب، وهي صحيفةُ إيجادِ وإدارةِ ذوي الحياة في فصل الربيع؛ فشاهد صورَ أفرادٍ لا حدَّ لها من