434

مئةِ ألفِ نوعٍ تُفتَح من مادةٍ بسيطةٍ فتحًا بغاية الانتظام؛ وتُربَّى بغايةِ الرحمة؛ وتُعطَى بذورُ بعضِها جُنَيحاتٍ رقيقةً بغاية الإعجاز فتطير وتَنتشر؛ وتُدارُ بغايةِ التدبير؛ وتُطعَمُ ويُعتنى بها بغايةِ الشفقة؛ وتُمَدُّ بأرزاقها الطيِّبة اللذيذة المتنوعة اللامحدودة إمدادًا بغايةِ الرحمة والرزَّاقية، فتصِلها من العدم ومن التراب اليابس، ومن قطرات الماء، ومن بذورٍ، ومن جذورٍ كالعظام متشابهةٍ لا تختلف فيما بينها إلا قليلًا.

كما شاهد أن كلَّ ربيعٍ يشبه قاطرةً تحوي مئةَ ألفِ نوعٍ من الأطعمة واللوازم، تُحمَّل من خزينةِ الغيب بكمال الانتظام، وتُرسَلُ لذوي الحياة بمنتهى النظام؛ لا سيما إرسال الحليب المُحلَّى المحفوظ المرسَل للصغار غذاءً في معلَّبات، مُعلَّقةً مَدافِقُه في صدورِ الوالدات المُشفقات.

فكلُّ ذلك يُظهِر عظيمَ الشفقة والرحمة والحكمة، ويثبِت بالبداهة أنه جَلْوةُ رحمةٍ وإحسانٍ من رحمٰنٍ رحيمٍ في غاية الشفقة والتربية.

والحاصل: إن هذه الصحيفة الحياتية الربيعية إذْ تُظهِر مئاتِ آلافِ نماذجِ الحشر الأعظم وأمثلتِه، تُفسِّر الآيةَ التاليةَ تفسيرًا عمليًّا باهرًا: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم:50]، وإن هذه الآية بدورها تعبِّر تعبيرًا مُعجِزًا عن معاني هذه الصحيفة.

فوعى ما تُردِّده الأرض بجميع صحائفها وبمقدارِ عِظَمِها وقوَّتها إذْ تقول: لا إله إلا هو.

ولقد ذُكِرتْ شهادةٌ مختصرةٌ لوجهٍ واحدٍ من عشرينَ وجهًا، في صحيفةٍ واحدةٍ من صُحُفِ كرة الأرض العظيمةِ التي تَربو على عشرين، للتعبير عن مشاهداتِ هذا المسافر وعن معناها في سائر الوجوه والصحائف، فجاء في المرتبةِ الثالثة من المقام الأول:

لا إله إلا الله الواجبُ الوجود، الذي دَلَّ على وجوب وجوده في وَحدته الأرضُ بجميع ما فيها وما عليها، بشهادةِ عَظَمَةِ إحاطةِ حقيقةِ التسخيرِ والتدبيرِ والتربيةِ