القسم الخامس

دَنِــزْلي

 

حياته في دَنِزْلي

[أيلول/سبتمبر 1943م – تموز/يوليو 1944م]

كانت دائرة انتشار رسائل النور تتسع وتتوالى فتوحاتها باطِّراد، ويزداد قُرَّاؤها المتعطشون يومًا بعد يوم؛ وحين شاهد أعداء الإسلام العاملون في الخفاء نتائجَ ما تنطوي عليه هذه الرسائل من قوةٍ عجيبةٍ وتأثيرٍ نَفَّاذٍ شرعوا بالتآمر عليها وعلى مؤلِّفها من جديد، فوُجِّهتْ ضدَّه مجموعةٌ من الاتهامات الملفَّقة، ونُسِب إليه القيام بعددٍ من المخطَّطات المُغرِضة، منها: أن بديع الزمان يؤسِّس منظمةً سِرِّيَّة، ويحرِّض الناس على الحكومة، ويُقوِّض منجزات الثورة من أساسها، [المقصود بمنجزات الثورة هنا الإجراءات التي فُرِضَتْ إثر إلغاء الخلافة وإعلان الجمهورية، وكانت في مضمونها طمسًا لشعائر الإسلام وشرائعه؛ هـ ت] ويقول عن مصطفى كمال: إنه دجَّالٌ سفيانيٌّ هدَّامٌ للدين، ويُثبِتُ ذلك بنصوصٍ من الأحاديث.

وبناءً على هذا اعتُقِل الأستاذ من مقرِّ إقامته في «قسطمونو»، كما اعتُقِل مئةٌ وستةٌ وعشرون من طلابه من ولاياتٍ شتى كـ«قسطمونو» و«إسبارطة» و«دَنِزْلي» و«أنقرة» وغيرها، ونُقِلوا جميعًا إلى محكمةِ جناياتِ «دَنِزْلي»، وكان ذلك في العام 1943م. [لم يكن من سببٍ للزَّجِّ في سجن «دَنِزْلي» سوى انتشار رسائل النور في سائر المحافظات انطلاقًا من مركَزَيها في «إسبارطة» و«قسطمونو»، وما تَرتَّبَ على هذا الانتشار من إقبالٍ على الدين متزايدٍ بشكلٍ مطَّرد؛ حتى إن رسالة الآية الكبرى -وهي الشعاع السابع- كانت قد طُبِعتْ قُبَيل حادثة «دَنِزْلي» بقليل، فأثارت مخاوفَ الملاحدة بما أثبتتْه وأوضحتْه من حقائق الإيمان بأسلوبٍ رائع، فقُدِّمتْ كأحد الأسباب الموجِبة للحكم بالسجن؛ المُعِدّون]