323

وأنا أقول جوابًا على هذا: لقد دافعتُ دفاعًا علميًّا عن الحقائق القرآنية ردًّا على الجانب الضارِّ لا النافع من مدنيَّة أوروبا، فبأي صورةٍ يُعتبر دفاعي هذا معارَضةً لنظام الحكم ومبادئِ الحكومة، وحركةً مناهضةً لسياساتها الثوريَّة، لمجرَّد أن حكومةَ الجمهوريَّة أخذتْ ببعضِ قوانين هذه المدنيَّة بناءً على ضرورات هذا الزمان؟!

وهل ترضى حكومةُ الجمهوريَّة لنفسها أن تصبح محامي الدفاع عن معايب مدنيَّة أوروبا؟! وهل كانت القوانين المخالفة للإسلام لدى هذه المدنيَّة الناقصة هدفًا تسعى له الحكومة منذ القديم؟! ثم أين هذه المدافعةُ العلميةُ عن الحقائق القرآنية ردًّا على بعضِ قوانين المدنيَّة الناقصة، أين هي من اتخاذِ موقفِ المعارض للحكومة؟!

لقد كتبتُ مدافعاتي العلمية قبل ثلاثين سنة، ورددتُ بها على اعتراضاتِ فلاسفةِ أوروبا وتجاوزاتهم على الحقائق القدسية الواردة في الآيات مثل: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، ﴿فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء:11]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ [الأحزاب:28]، ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النساء:4] وغيرها من آيات القرآن الحكيم القطعيَّة، وهي حقائق موجودةٌ في ملايين التفاسير منذ ألفٍ وثلاثمئة سنة، وفي التفاسير التي ما تزال تزخر بها المكتبات إلى يومنا هذا، وإن توظيف هذه المدافعات لاتهامي بالقول: «إنَّ له مقصِدَ معارَضةِ النظامِ الحاكم ومبادئِ الحكومة وثورتِها»، ليس إلا حقدًا ظاهرًا ووهمًا باطلًا، ولولا مَساسُه بهذه المحكمة العادلة لما كنت أراه لائقًا بالمدافعة والرد.

ثم بأيَّ صورةٍ يا تُرى تُعتَبَرُ مدافعتي العلميَّةُ موجَّهةً ضدَّ الحكومة، مع أنها إنما تتصدى للملحدين الذين يَبْذُرُون منذ القديم بذورَ الفساد والخلاف والإلحاد بواسطةِ جمعيَّات الروم والأرمن، ويعملون لصالحِ منظَّمات الكفر والإلحاد الأوروبية، بنيَّةِ الإضرار بهذا الوطن والأمة؟! أجل، وبأيِّ سببٍ تُفسَّر هذه المدافعة العلمية بأنها هجومٌ على الحكومة؟! وبأيِّ إنصافٍ تُلبَس الحكومةُ ثوب الإلحاد ثم تُساق الاتهامات تبعًا لذلك؟!