328

ينبغي أن يكون معنى هذه المادة القانونيَّة: «لمنعِ مَنْ يعيقون الرقيِّ الحضاري، ويعارضون الحكومة تحت ستار التعصُّب»؛ وقد أثبتْنا بدلائلَ قطعيَّةٍ كثيرة أن هذه المادة بهذا المعنى الذي ذكرناه لا يمكن أن تمسَّنا بأيِّ جهة.

نعم، لا يمكن لهذه المادة أن تكون فضفاضةَ المعنى بغير تفسيرٍ ولا قيودٍ احترازيَّة، بحيث تسمح لكل حاقدٍ أن يضرِب بها مَن شاء.

لقد جرتْ تدقيقاتٌ مفصَّلة وتحرياتٌ دقيقةٌ بشأني وبشأن مئةٍ وعشرين رسالةً ألَّفْتُها خلال عشرين سنة، وبقيتُ وما أزال تحت المراقبة والمتابعة منذ عشر سنين، فلم يُعثَر في حصيلة هذا كلِّه على أيِّ أمارةٍ للإخلال بالأمن ولو بدرجةٍ جزئيَّة، سواءٌ لديَّ أو لدى قُرَّاء الرسائل؛ ولقد فَرَرْتُ من السياسة منذ ثلاث عشرةَ سنةً فراري من الشيطان، ولم أتدخَّل في شؤون الحكومة، ولم أتعرَّض لأمور الدنيا، وتحمَّلتُ صنوفًا من الأذى فوق ما يتحمَّلُه البشر، واتخذتُ خدمةَ الإيمان أعظمَ مقصِدٍ لي في هذه الدنيا، كما يشهَد لذلك معارفي المقرَّبون وكما أثبتُّه بعشرين وجهًا؛ وإن ملاحقتي بعد هذا كلِّه وشمولي بهذه المادة وإدانتي بها بالقول: «إنَّ سعيدًا يجعل الدين أداةً للسياسة، ويسعى للإخلال بالأمن»، إنما يمثل في اعتقادي سابقةً قضائيَّةً تنال من شرف المحاكم والقضاء، وهي سابقةٌ لم يُشاهَد مثلُها قطُّ على وجه البسيطة.

بلى، إن جُثُوَّ حُكَّامٍ عِظامٍ وقادةٍ أبطال في محاكم صغيرة، وإظهارَهم المطاوعةَ بكمال الانقياد، إنما يُثْبِتُ أن للمحكمة شرفًا ومقامًا لا يُخدَش بأيِّ جهة، وعليه فإنني أستند إلى هذه المكانة المعنوية الرفيعة التي تتمتع بها المحاكم لأدافعُ بحرِّيَّةٍ عن حقوقي.

فبينما يُسمَح بنشرِ مقالةٍ بعد أن تحذِف الرقابةُ منها بضعَ كلماتٍ تراها ضارَّة، يُؤتى بمئةٍ وعشرين رسالةً أُلِّفَتْ في أزمنةٍ متفرِّقة، فتُصادَرُ منها مئةٌ وخمسَ عشرةَ رسالة، رغم أنها مهمَّةٌ نافعةٌ لا تشوبُها شائبة، بل سبق أنْ تلقَّت مكتبةُ أنقرة بعضَها بكلِّ افتخارٍ، وما تزال موجودةً لديها، أجل؛ تُصادَر لمجرَّد وجود خمسَ عشرةَ كلمةً في رسالةٍ أو رسالتين