556

وأما ظاهرُ هذه الشجرة -شجرةِ الأرض- فيَفتح ثلاثمئة ألفِ نوعٍ كُلِّيٍّ من الأزهار، مُظهِرًا ثلاثمئة ألفِ مثالٍ وعلامةٍ على الحشر، ويَبسُط موائد الرحمانية والرزَّاقية والرحيمية والكريمية بلا حدٍّ مُقدِّمًا القِرى لكلِّ ذي حياة، ويَذكُر اسمَ «الظاهر» ويَحمَدُه ويُثني عليه بألسنةٍ بعددِ الزهرات والثمرات والمطعومات، ويُجلِّي حقيقةَ ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ كالنهار.

وأما باطنُ هذه الشجرة المَهيبة فقِدْرٌ عجيبٌ ومُعَدّاتٌ أعجب، تُشغِّل بكمال الدقة والانتظام معاملَ موزونةً وآلاتٍ منظومةً لا يُحيط بها حَدٌّ ولا حساب، إذْ يُخرِج من مقدارِ درهمٍ قناطيرَ مقنطرةً من الأطعمة.. يَطبُخها ويوصلها إلى الجياع، ويعمل بغايةِ الدقَّة والميزان فلا يَدَعُ مجالًا للصدفة ولو بمقدار ذرَّة، بحيث يُثبِت باطنُ الأرض هذا اسمَ «الباطن» سبحانه، ويُعلن عنه بمئات آلاف الأشكال كبعض الملائكة الذين يسبحونه تعالى بمئة ألف لسان.

ثم إن الأرض مثلما كانت -من حيث حياتُها السنوية- [أي حياتُها في سنةٍ كاملةٍ بفصولها الأربعة؛ هـ ت] بمثابة شجرة، ومثلما جعلتْ من هذه الأسماء الأربعة الحسنى وما تتضمنه من حفيظيةٍ مفتاحًا لِباب الحشر، فكذلك هي تمامًا من حيث دهرُها وحياتُها الدنيوية، فهي شجرةٌ منتظمةٌ تُرسَل ثمراتُها إلى سوق الآخرة، وهي كذلك مَظهرٌ ومرآةٌ بديعةٌ لتلك الأسماء الأربعة الحسنى، وهي بهذه الاعتبارات تَفتح طريقًا إلى الآخرة هو من السَّعة بحيث تتقاصر عقولنا عن الإحاطة به أو التعبير عنه، غير أننا نقتصر على القدر التالي:

وهو أنه كما تتناظر أميالُ الساعة العادَّةُ للثواني والدقائقِ والساعاتِ والأيام، وكما يُثبِتُ بعضُها بعضًا بحيث إن مَن يشاهد حركةَ مِيل الثواني يَلزمه تصديق حركة سائر الأميال، فكذلك تمامًا هذه الدنيا التي هي ساعةٌ كبرى لخالق السماوات والأرض ذي