558

وأنه عبدٌ كُلِّيٌّ مكلَّفٌ بعبوديةٍ جِدِّ واسعة، إِذْ حَمَلَ على كاهله الأمانةَ الكبرى التي أشفقتْ مِن حَمْلِها السماواتُ والأرض والجبال، وفُتِح أمامه طريقان عجيبان بحيث يغدو في الأول منهما أشقى الأحياء، ويغدو في الآخَر أسعدَهم..

وأنه مَظهرٌ للاسمِ الأعظم لسلطان الكائنات وأجمعُ مرآةٍ لأسمائه سبحانه..

وأنه مخاطَبٌ خاصٌّ من مخاطَبيه، وهو أوعاهم بمكالماته وخطاباته السُّبحانية..

وأنه فضلًا عن كونه أحوجَ ذوي الحياة في هذا العالَم، فإنه كائنٌ مسكينٌ له رغباتٌ ومقاصدُ لا تُحَدّ؛ وفضلًا عن كونه عاجزًا فقيرًا بلا حدٍّ، فإنه مُحاطٌ بأعداءٍ ومخاطرَ لا تُعَدّ..

وأنه أغنى ذوي الحياة من حيث الاستعدادات..

وأنه أشدُّهم ألمًا بالنظر إلى لذائذ الحياة، إذْ تَشُوب لذائذَه آلامٌ مُنغِّصة..

وأنه أشدُّهم شوقًا وحاجةً إلى البقاء، وهو أحقُّهم وأليَقُهم به..

وأنه يطلب البقاء والسعادة الأبدية ويتوسَّلُهما بأدعيةٍ لا تُحَدّ..

وأنه لو أُعطي جميع مباهج الدنيا ولذائذِها ما لبَّتْ حاجتَه إلى البقاء..

وأنه معجزةُ قدرةٍ صمدانيةٍ بديعةٌ، وأُعجوبةُ خَلقٍ فريدةٌ، أنشأها المُحسِن المتفضِّل سبحانه، فهو محبوبه من خلقه، وهو يُحب هذا المحسِنَ إليه حبًّا يبلغ درجة العبادة، ويُحبِّب به..

وأنه قد انطوى فيه العالَم الأكبر، وشَهِدتْ جميعُ أجهزته الإنسانية على أنه خُلِق ليمضي إلى الأبد..

أجل، ما دام هذا الإنسانُ متَّصلًا باسم الله «الحق» سبحانه عبر هذه العشرين حقيقةً كُلِّيةً، وما دامتْ تُسجَّل أعمالُه على الدوام من خلال اسم «الحفيظ» ذي الجلال الذي يرى أدنى حاجةٍ لأدنى ذي حياة، ويسمع تضرُّعَه، ويُجيبُه إجابةً فعليةً، وما دامتْ تُكتَب أفعالُه ذاتُ العلاقة بالكائنات.. يَكتبها الكرام الكاتبون بسرِّ ذلك الاسم، وما دام