547

مثلما سبق في المسألة السادسة أنْ سألْنا السماواتِ والأرضَ عن خالقنا فعَرَّفتْنا به بألسنةِ العلوم تعريفًا جليًّا كالشمس، فإننا سنَسأل بالطريقة نفسِها عن آخرتنا، وأول مَن نسألُه ربُّنا الذي عَرَفناه، ثم نبيُّنا (ص)، ثم قرآنُنا، ثم سائرُ الأنبياء والكتبِ المقدَّسة، ثم الملائكة، ثم الكائنات.

إذًا في المرتبة الأولى نسأل الله تعالى أولًا عن الآخرة، فيبلِّغنا عبر جميع مبعوثيه وأوامرِه، وعبر جميع أسمائه وصفاته أنْ نعم.. الآخرة موجودة.. وأنا أسوقكم إليها.

ولما كانت الكلمة العاشرة قد أثبتت الآخرةَ وأوضحَتْها باثنتي عشرة حقيقةً ساطعةً قاطعةً مستقاةً من بعض الأسماء الحسنى، فإننا سنشير إليها هنا إشارةً بغاية الإيجاز، مكتفين بما ورد ثمة من بيان .

أجل، فما دامت لا توجد سلطنةٌ لا يُكافأ طائعوها ولا يُعاقَبُ عاصوها، فكيف بسلطنةٍ سرمديةٍ بمرتبة الربوبية المطلقة؟! لا ريب أنَّ ثمة مكافأةً يُكافَؤ بها مَن انتسبوا لهذه السلطنة بالإيمان، وخضعوا لقوانينها بالطاعة، وأنَّ ثمة عقابًا يُعاقَب به مَن جحدوا هذه السلطنة العزيزة بالكفر والعصيان.. هذا ما يجيبنا به اسم «ربِّ العالمين» واسم «السلطانِ الدَّيَّان» سبحانه، ولا ريب أن تلك المكافأة تجري على وجهٍ يليق برحمته وجماله سبحانه، وأن ذلك العقاب يجري على وجهٍ يليق بعزته وجلاله سبحانه.

ثم إننا نشاهد على وجه الأرض رحمةً عامة، وشفقةً شاملة، وكرمًا محيطًا، ونرى جميع ذلك بأعيننا جليًّا كالشمس، واضحًا كالنهار، ومن أمثلته أنْ تُلْبِسَ تلك الرحمةُ الأشجارَ والنباتاتِ المثمرةَ أبهى حُللها في الربيع، وتُزيِّنَها كأنها حُوْر الجِنان، وتملأَ أيديَها بأنواع الثمار، وتُدنيَها إلينا قائلةً: هَلُمُّوا.. خذوا وكُلوا؛ وأنْ تُطعِمنا عسلًا شافيًا حلوَ المذاق من يد حشرةٍ سامَّة؛ وأنْ تُلبِسَنا أنعَمَ حريرٍ من دودةٍ لا أيدي لها؛ وأنْ تَدَّخر لنا في حفنةٍ من صغار البذور والنوى أطعمةً تَزِن آلاف الأرطال، جاعلةً منها مستودعاتٍ صغيرةً ذات مخزونٍ احتياطي.