551

الآلاف، وأثبتوا صدقَهم بمعجزاتهم، ووقَّع على هذه الحقيقةِ ما لا يُحَدُّ من أهل الولاية ذوقًا وكشفًا، فلا شكَّ أن هذه الحقيقة جَليَّةٌ كالشمس، وأن المُرتاب فيها مجنون.

أجل، فكما أن حُكمَ واحدٍ أو اثنين من المتخصصين في علمٍ أو فنٍّ وقولَهما في تخصُّصهما يُسقِط أقوالَ الآلاف من مخالفيهم غير المتخصِّصين وإنْ كانوا علماء مختصِّين في علومٍ أخرى، كما هي الحال مثلًا في إثبات هلال رمضان يومَ الشك، أو كما لو ادعى اثنان وجود بستانٍ على وجه الكرة الأرضية يحوي جوزَ الهند الشبيه بمعلبات الحليب، وأثبتا دعواهما هذه، فإنهما يَغلِبان ألفًا من نُفاة هذه الدعوى ومنكريها، ويَكسِبان القضية؛ لأن المُثبِت يَكسِب دعواه بسهولةٍ بمجرَّد أن يُبرِز جوزَ الهند هذا أو يَعرِض مكانه، أما النافي والمنكِر فلا يمكنه إثباتُ دعواه إلا بإظهار أنه بحَثَ وفتَّشَ وجهَ الأرض كلَّه فلم يعثر على شيءٍ من ذلك؛ فكذلك الحال مع مَن أخبروا عن الجنة ودارِ السعادة وأثبتوها، فإنهم يكسَبون دعواهم بمجرَّد إظهارهم أثرًا من آثار الجنة أو ظلًا من ظلالها أو أمارةً من أمارتها كشفًا، أما النافي والمنكِر فيلزمه أن يستعرِض ويَعرِض الكونَ بأجمعه والزمانَ بأكمله من الأزل إلى الأبد حتى يمكنَه إثباتُ نفيِه وإنكارِه وكَسْبُ دعواه؛ ولهذا اتفق أهل التحقيق على الدستور العام الذي ينصُّ على أنه: لا يمكن إثبات النفي والإنكار الذي يتناولُ الكون عامةً ولا يتعلَّق بمحلٍّ خصوصي -كنفي الحقائق الإيمانية- ما لم يكن مُحالًا في ذاته.

وبناءً على هذه الحقيقة القطعية، فإنه في الوقت الذي ما ينبغي لأقوال آلافِ الفلاسفة أن تُورِث شبهةً ولا حتى وسوسةً إزاء مُخبِرٍ صادقٍ في مثل هذه المسائل الإيمانية، نجد مَن وقع في الشبهات في الأركان الإيمانية التي اتفق عليها مئةٌ وعشرون ألفًا من المخبرين الصادقين المُثبِتين من أهل الاختصاص، وما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ من أهل الحقيقة وأرباب التحقيق المُثبِتين المتخصِّصين!! أجل من وقع في الشبهة مِن جرَّاء إنكارِ شرذمةِ فلاسفةٍ ماتتْ قلوبهم، وانحدرتْ عقولهم إلى مستوى أعينهم، وتباعدوا عن المعنويات حتى عَمُوا، فلكم أن تقدِّروا مقدارَ الحماقةِ بل الجنونِ الذي بلغه شخصٌ كهذا.