541

ولنضربْ على هذا مثلًا بصيدليَّةٍ مجهَّزةٍ أتمَّ تجهيز، مشتملةٍ في كلِّ وعاءٍ وقارورةٍ منها على مُضادَّاتٍ ومُركَّباتٍ حيويةٍ مستحضَرةٍ بمقاديرَ دقيقةٍ وموازينَ حسَّاسة، فكما تدلُّ بلا ريبٍ على وجود صَيدلانيٍّ كيميائيٍّ حكيمٍ حاذق، فكذلك صيدلية الكرة الأرضية، فإن فيها أربعمئة ألف نوعٍ من النباتات والحيوانات، كلٌّ منها بمثابة أوعيةٍ وقوارير تحتوي على مُضادَّاتٍ ومُركَّباتٍ حيويةٍ؛ وبقَدْرِ ما تَفُوق صيدليةُ الأرض الكبرى هذه صيدليةَ السوق تلك ضخامةً وفخامةً، تدلُّ بالقَدْرِ نفسه على الحكيم ذي الجلال الذي هو صيدلانيُّها بمقياس علم الطب الذي تدرسونه، وتُعرِّف به حتى لمن هو أعمى.

ونضرب مثلًا كذلك بمعملٍ عجيبٍ يَنسُج من مادةٍ بسيطةٍ آلافَ أنواعِ الأقمشة، فكما يُعرِّف بلا شكٍّ بصاحبه ومهندسه الميكانيكيّ الماهر، فكذلك هذه الماكينة الربانيةُ السيارةُ والمعملُ الفائقُ المسمَّى الكرةَ الأرضية، فإن فيها مئات آلاف المعامل، في كلِّ معملٍ مئاتُ آلافِ الآلات تامَّةِ التجهيز، وبقَدْرِ ما تَفُوق هذه الماكينةُ معملَ البشر ذاك ضخامةً وفخامةً، تُنْبِئ وتُعرِّف بالقَدْرِ نفسه بصاحب هذه الكرة الأرضية ومهندسِها بحسَب مقياس علم الهندسة الميكانيكية الذي تدرسونه.

ونضرب مثلًا آخر أيضًا بمتجرٍ أو مخزنٍ ومستودعِ أغذيةٍ وأقوات، فيه ألفُ نوعٍ ونوعٍ من أجود المُؤَن والأرزاق، جُلِبتْ إليه من شتى الأنحاء، ورُتِّبتْ فيه بعنايةٍ ونظام، فكما يُنْبئ هذا بلا شكٍّ عن وجود مالكٍ فوق العادة قَيِّمٍ على هذه الأرزاق والأقوات، فكذلك المتجر والمخزن الرباني، ومستودع الأقوات الرحماني، الذي يحوي ألف نوعٍ ونوعٍ من اللوازم والأرزاق والمعلَّبات، وهو المسمَّى الكرةَ الأرضية التي تَسيح كلَّ سنةٍ بانتظامٍ -كسفينةٍ سُبحانيةٍ- في دائرةٍ مقدارها مسيرةُ أربعٍ وعشرين ألف سنة، وتحمل على متنها مئات آلاف الأنواع من طوائف المخلوقات المحتاجِ كلٌّ منها لأرزاقٍ مختلفة، وتُعرِّج في سياحتها على الفصول، فتمتلئ في الربيع بآلاف الأطعمة المختلفة