348

بائت لا تكاد تكفي كلَينا لهذا المساء، فماذا سنفعل في اليومين التاليين؟ وماذا سأقول لهذا الرجل الصافي القلب؟ وبينما كنتُ أفكر في ذلك إذ حوَّلتُ وجهي -كما لو أن أحدًا يُحوِّله- فرأيتُ بين أغصان شجرةِ الأَرْزِ رغيفًا فوقها ينظر إلينا.

فقلت: سليمان.. أبشر!! لقد ساق الله إلينا رزقًا!! وأخذنا الرغيف، ونظرنا فإذا به لم يمسَّه طيرٌ ولا وحش، ولم يكن صعِدَ إلى تلك القمة إنسان منذ عشرين أو ثلاثين يومًا، فكفانا ذلك الرغيف يومين، وبينما كنا مرةً نأكل، وقد أوشك الخبز على النفاد، إذ طلع علينا صديقٌ صادقٌ مضى على معرفته أربع سنوات، هو سليمان المستقيم [هو «سليمان كروانجي»، وكان الأستاذ قد لقبه لشدة استقامته ونزاهته بالمستقيم، وهو غير سليمان المذكور في أول القصة؛ هـ ت] حاملًا معه الخبز.

رابعها: أنني ما زلتُ أرتدي هذا المِعطف منذ سبع سنين، وقد اشتريتُه حينَها مستعمَلًا، واكتفيتُ على مدى خمس سنين بمبلغ أربع ليراتٍ ونصف لتأمين لوازمي من ثيابٍ وحذاءٍ وجوارب، فكفتني البركة والاقتصاد والرحمة الإلهية.

وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ كهذه، وللبركة الإلهية جهاتٌ عدة، وأهل هذه القرية يعرفون الكثير منها؛ ولكن إياكم أن تظنوا أنني أذكر هذه الأمثلة افتخارًا، بل ما ذكرتها إلا اضطرارًا؛ ولا تحسبوا أنها علامة على صلاحي، فهذه البركات هي إما إحسانٌ لأصحابي الخُلَّص الذين يأتونني، أو هي إكرامٌ للخدمة القرآنية، أو هي فائدةٌ مباركةٌ من فوائد الاقتصاد، أو هي أرزاق الهررة الأربع التي عندي، والتي تذكر الله
بـ «يا رحيم، يا رحيم» بحيث تأتي أرزاقها على صورة بركةٍ فأستفيد منها.

نعم إن أصغيتَ جيدًا إلى هريرها الحزين وعيتَ أنها تذكر: «يا رحيم، يا رحيم».

وهذا الحديث عن الهررة يذكِّر بالدجاج، فقد كان لي دجاجة، وكانت في كلِّ يومٍ من فصل الشتاء هذا تأتيني ببيضةٍ من خزينة الرحمة كأنها ماكينة بيض، ولم تكن تنقطع عن ذلك إلا نادرًا؛ وذات يوم وضعتْ بيضتين، فتعجبت، وسألتُ أصحابي: أيحدث مثل هذا؟! فقالوا: لعله إحسانٌ إلهي.