354

فما دام الأمر كذلك فلْيَعلم مَن يؤذيني ويتعرض لي متخذًا موقف المنافس أنه بمعاملته هذه يغدو بمثابة من يتعرض للإيمان باسم الزندقة والإلحاد.

المسألة الخامسة:

بما أن الدنيا فانية، والعمر قصير، والواجبات كثيرة، وبما أن الحياة الأبدية تُنال هنا، وبما أن الدنيا ليست بغير مالك، بل إن لدارِ ضيافةِ الدنيا هذه مدبِّرًا حكيمًا غاية الحكمة كريمًا غاية الكرم، وبما أنه لا تبقى حسنةٌ ولا سيئةٌ بغير جزاء، وبما أنه لا تكليف بما لا يطاق، بسر: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286]، وبما أن الطريق الخالي من الضرر مرجَّحٌ على الطريق ذي الضرر، وبما أن أمدَ رفاق الدنيا وما فيها من الرُّتَب بابُ القبر.. فلا بد أن يكون الأسعدَ مَن لم ينسَ الآخرة لأجل الدنيا، ولم يُضحِّ بآخرته في سبيل الدنيا، ولم يُفسِد الحياة الأبدية لأجل الحياة الدنيوية، ولم يُبدد عمره فيما لا يعنيه، ومَنْ عدَّ نفسه ضيفًا فتصرف وفقًا لأوامر صاحب دار الضيافة، فتح باب القبر بسلامة، ودخل دار السعادة. [بناء على هذه المقدمات المصدَّرة بـ «بما أن..» فإني لا أُبالي بما نالني من عسفٍ وظلم، ولستُ أعيره أيَّة أهمية، بل أقول: «إنه لا يستحق الاهتمام»، وأُعرِض عن أمور الدنيا؛ سعيد]

***