357

الأول: أنا لم أتدخل في دنيا أهل الدنيا حتى أنزل على حكمهم فأراجعَهم، أنا محكومٌ للقدر الإلهي، ومُقصِّرٌ تجاهه، فإيّاه أراجع.

الثاني: لقد عَلِمتُ وآمنتُ يقينًا أن هذه الدنيا دار ضيافةٍ سريعةُ التبدُّل، فليستْ إذًا وطنًا حقيقيًّا، بل كل الأماكن سواء؛ فما دمتُ لن أبقى مخلَّدًا في بلدي، فلا فائدة من الذهاب إليه، ولا جدوى من السعي لأجل ذلك.

وما دام كل مكانٍ دارَ ضيافة، فإنه إنْ صَحِبتْك رحمةُ المُضِيف رحَّب بك كلُّ مكان، وكان صديقًا لك كلُّ إنسان، وإن جانبتْك رحمتُه ضاق القلب بكلِّ مكان، وانقلب عدوًّا كلُّ إنسان.

الثالث: أن المراجعة إنما تكون في إطار القانون، وواقعُ الحال أنَّ المعاملة التي عُومِلت بها طَوالَ هذه السنين الست كانت مزاجيَّةً تخالف القانون، فلم أُعامَل وفق قانون المنفيين، بل نظروا إليَّ باعتباري مجرَّدًا من الحقوق المدنية، بل ومن الحقوق الدنيوية أيضًا، فأيُّ معنى لأن أُراجِع باسم القانون أُناسًا يعاملونني معاملةً تخالف القانون؟!

الرابع: أن مدير المنطقة قدَّم في هذه السنة طلبًا باسمي كي أمكث بضعةَ أيامٍ على سبيل التفسُّح في قرية «بَدرة» التي تُعدُّ حيًّا من أحياء «بارلا»، فلم يسمحوا بذلك، فمن كان يرفض تلبيةَ حاجةٍ تافهةٍ من حاجاتي كهذه كيف يُراجَع؟! ألا إنَّه إنْ تمتْ مراجعتهم لم تكن إلَّا مهانةً وتذلُّلًا لا يجدي نفعًا.

الخامس: إنَّ طلبَ الحق ممن يناصرون الباطل ويعدُّونه حقًّا، ومراجعتَهم، ليست إلا ظلمًا للحق وامتهانًا له، وأنا لا أريد أن أرتكب هذا الظلم والامتهان للحق؛ والسلام.

السبب السادس: إن تشديد أهل الدنيا الخِناقَ عليَّ ليس مردُّه السياسة، فهم يعلمون أنني لا أتدخل فيها، بل أفرُّ منها، إنهم يفعلون ذلك -سواءٌ علموا أن هذا لصالح الزندقة أو جهلوه- لتمسكي بالدين؛ وبناءً على هذا فإن مراجعتَهم تعني إظهارَ الندامة على التمسك بالدين ومداهنة مسلك الزندقة.