340

إليه اشتغالٌ بالفضول ومانعٌ من الخدمة الألزم، وأن أكثره كذب، وفيه احتمالٌ لأن يكون المرء أداةً لأصابع أجنبية دون أن يدري.

ثم إنَّ الخائض في السياسة إما أن يكون مؤيِّدًا وإما أن يكون معارضًا؛ فإن كُنتُ مؤيدًا، ولم أكن مع هذا مسؤولًا ولا نائبًا في البرلمان، فالاشتغال بالسياسة في تلك الحال فضولٌ لا يعنيني، ولا يُحتاج إليَّ لأتدخل دون جدوى.

أمَّا إن خضتُ في السياسة المعارِضة، فسوف أتدخل إما بالفكر وإما بالقوة؛ فإن كان بالفكر فلا يُحتاج إليَّ، لأن المسائل واضحة، والكل يعرفها مثلي، فلا معنى للثرثرة بغير طائل.

وإن عارضتُ بالقوة وبإثارة الحوادث، فهناك احتمالُ الوقوع في آلافِ الأوزار من أجل مقصِدٍ يُشَكُّ في حصوله، إذ يقع الكثيرون في البلايا والمصائب بسببِ شخصٍ واحد؛ ثم إن وجداني لا يقبل الدخول في الآثام وإيقاع الأبرياء فيها بناءً على احتمالٍ أو احتمالين من عشرة احتمالات؛ فلأجل ذلك ترك «سعيدٌ القديم» الجرائد والسياسة والمجالس الدنيوية السياسية مع تركه السيجارة.

والشاهد القطعي على هذا أنني منذ ذلك الحين -أي منذ ثماني سنوات- ما قرأت صحيفةً ولا استمعت إليها، فليَبْرز أحدهم وليقل إني قرأت أو استمعت؛ هذا مع أن «سعيدًا القديم» كان قبل ثماني سنوات يقرأ حوالي ثماني جرائد في اليوم الواحد.

ثم إنني مراقَبٌ مراقبةً صارمةً منذ خمس سنين، فليتكلم من رأى مني أيَّةَ بادرةٍ تومئ إلى السياسة؛ والحال أن إنسانًا مثلي عصبيَّ المزاج، ولا يهاب أحدًا، ولا تربطه علاقةٌ بأحد، ويرى أن أعظم حيلةٍ: تركُ الحيلة، أخذًا بالدستور القائل: (إنما الحيلة في ترك الحِيَل)، لا يبقى له رأيٌ مستترٌ ثمانية أيام فضلًا عن ثمانية أعوام، فلو كان له أَرَبٌ في السياسة أو رغبةٌ فيها، لدوَّى صداه كهدير مدفع، دون أن يَدَعَ حاجةً للتحريات والتدقيقات.