342

أما إن قلت: لماذا تمنعك خدمة القرآن والإيمان من السياسة؟

فإني أقول: إنَّ كلَّ حقيقةٍ من الحقائق الإيمانية والقرآنية هي كالألماس، وإني إنْ كنت مشتغلًا بالسياسة لقال العوام البسطاء عما في يدي من الألماس: أليست هذه دعايةً سياسيةً لكسب المؤيدين؟! وربما نظروا إلى ذلك الألماس نظرتَهم إلى خزفٍ زهيد الثمن، فأَكون بذلك قد ظلمتُ الألماس، وتكون مباشرتي للسياسة بَخسًا لقيمته؛ فيا أهل الدنيا لِمَ تنشغلون بي؟ لِمَ لا تدعونني وشأني؟

فإن قلتم: إن المشايخ [المقصود بالمشايخ هنا شيوخ الطرق الصوفية، وكانت حكومة الجمهورية لاحقتْهم وأغلقت ما في البلاد من تكايا وزوايا؛ هـ ت] يتدخلون في أمورنا أحيانًا؟ والناس يسمونك شيخًا في بعض الأحيان.

فإني أقول: أيها السادة، لست شيخًا..أنا عالم، والدليل على هذا أنني هنا منذ أربع سنوات، فإن كنتُ أعطيتُ أحدًا الطريقةَ لكان من حقكم أن تشتبهوا؛ ولكنني قلت لكل من أتاني: الإيمان لازم، الإسلام لازم، ليس الزمانُ زمانَ الطريقة.

فإن قلتم: يسمّونك «سعيدًا الكردي»، فلعلك تحمل فكر العنصرية، وهذا لا يناسبنا.

فإني أقول: أيها السادة، إن ما كتبه «سعيدٌ القديم» و«سعيدٌ الجديد» في متناول أيدي الجميع، وإنني أبرزه شاهدًا على أنني -بناءً على البلاغ القطعي بأن الإسلام قد جَبَّ العصبية الجاهلية- نظرتُ منذ زمنٍ بعيدٍ إلى القومية السلبية والدعوة إلى العنصرية على أنها سمٌّ قاتل، إذْ هي علةٌ إفرنجية من علل أوروبا، ألقتْ بهذا الداء بين المسلمين ليتفرقوا ويتمزقوا فيَسهُلَ ابتلاعهم؛ ويعلم طلابي ومن لهم صلةٌ بي أنني اجتهدت منذ القديم في معالجة هذه العلة الإفرنجية.