343

فما دام الأمر كذلك أيها السادة، فلِمَ تتخذونَ كلَّ حادثةٍ ذريعةً للتضييق عليَّ يا ترى؟ بأيِّ قانونٍ تضيِّقون عليَّ في كل حادثةٍ دنيوية، تضييقًا من قبيل أن يخطئ جنديٌ في الشرق فيعاقَب جنديٌّ في الغرب ويشدَّد عليه لمجرد كونه جنديًّا، أو يُسجَن حانوتيٌّ في بغداد بجنايةِ حانوتيٍّ في اسطنبول لمجرد كونه حانوتيًّا؟! أيُّ ضميرٍ يحكم بهذا؟! أم أيُّ مصلحةٍ تقتضي ذلك؟!

النقطة الثالثة: يتساءل أصحابي المهتمون بشأني وبراحتي، المستغربون من سكوتي بصبرٍ إزاء كلِّ مصيبة: كيف تتحمل ما ينزل بك من ضيقٍ وشدائد، وقد كنتَ في الماضي شديد الحِدَّة، شديد الاعتزاز، لا تتحمل أدنى إهانة؟!

فالجواب: استمِعوا إلى حادثتين وحكايتين صغيرتين، وخذوا منهما الجواب.

الحكاية الأولى: قبل سنتين تفوَّه أحد المدراء بكلامٍ مِلْؤه الإهانةُ والازدراءُ لي، وكان ذلك في غيابي وبغير سبب، ثم أُخبِرتُ بالأمر، فبقيت متأثرًا من ذلك ساعةً من الوقت بمشاعرِ «سعيدٍ القديم»، ثم وَرَد على قلبي -برحمة الله تعالى– حقيقةٌ أزالت ما بي من الضيق، وحملتْني على مسامحة ذلك الشخص، وهي أنني قلت لنفسي:

إنْ كان ما صدر عنه من تحقيرٍ وانتقاصٍ عائدًا إلى شخصي ونفسي فجزاه الله خيرًا، إذْ أَخبَر عن عيوب نفسي، فإن كان صادقًا فيما أَخبر دفعني إلى تربية نفسي وأعانني على التخلص من الغرور، وإن كان كاذبًا أعانني على التخلص من الرياء ومن الشهرة الكاذبة التي هي أساس الرياء.

نعم، فأنا لستُ راضيًا عن نفسي، لأنني لم أُربِّها، وإنه إنْ كانت على عنقي أو في حِجْري عقرب فنبَّهني إليها أحدهم أو أراني إياها، لَزِم أن أَدين له بالفضل لا أن أَحنَق عليه.