380

منذ زمنٍ بعيد، وهي ظروفٌ تدعو إلى انحطاط الأخلاق وترجيح الحياة الدنيوية على الأخروية؛ وبما كسرتْ من صولات الزندقة والضلالة، وبما أنقذتْ من إيمان آلاف المساكين، وبما خرَّجتْ من مئات بل آلاف الطلبة المؤمنين الحقيقيين ممن يَعدِل الواحد منهم مئةً بل ربما ألفًا.

وليس بمقدور أيِّ قوة أن تُخرِج رسائل النور من قلب الأناضول، بل هي باقيةٌ بإذن الله إلى أن يأتي في آخر الزمان الأصحاب الأصليون لدائرة الحياة الواسعة، أي المهدي وتلاميذُه، فيوسِّعوا تلك الدائرة وتتسنبل تلك البذور، فنشاهد ذلك ونحن في قبورنا، فنشكر الله تعالى.

سعيد النُّورْسِيّ

***

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاءَ الأوفياء.. هذه تتمةُ ما كُتِبَ في فقرتَين سابقتَين عن ترجيح الحياة الدنيوية على الحياة الأخروية.

لقد صعَّب هذا العصرُ العجيبُ الحياةَ الدنيوية، وكثَّر شروطَ العيش وشدَّدها، وصَيَّر الحاجاتِ غيرَ الضرورية حاجاتٍ ضروريةً بسبب الإلف والاعتياد، وبسبب تقليد الآخرين ومحاكاتهم، فجعل غايةَ كلِّ شخصٍ وأعظمَ مقاصده على الدوام: حياتَه ومعيشتَه، فأقام بذلك سدًّا أمام الحياة الدينية والأبدية والأخروية، وأخَّرها إلى درجةٍ ثانية أو ثالثة؛ ولقد تلقى الإنسان صفعةً قاسيةً شديدةً جزاءَ خطيئته هذه، إذِ استحالت دنياه جحيمًا.

والحال أن بعض أهل الدين يقعون في ورطةٍ كبيرةٍ من جرَّاء هذه المصيبة المروِّعة ولا يَعُونَ الأمر على وجهه؛ فمن ذلك أني رأيت بعض الأفاضل من أهل الدين والتقوى