371

الأساس الأول: [يتحدث الأستاذ النُّورْسِيّ هنا عن الأساسَين المهمَّين اللذَين اعتمدَهما «سعيدٌ القديم» في مؤلفاته؛ هـ ت] بشَّرَ «سعيدٌ القديم» بظهور نورٍ في المستقبل، وذلك ردًّا على اليأس الذي خيَّم على أهل الإيمان؛ فقد شعر بحسٍ قبل الوقوع أن رسائل النور ستقوي وتنقذ إيمانَ الكثيرِ من أهل الإيمان في زمنٍ عصيبٍ في قادم الأيام، فنظر بهذا المنظار إلى ميادين السياسة التي أفرزها عهدُ الحرية، وسعى إلى تطبيق ما شعر به من غير أن يُعبِّره أو يُؤَوِّله، وظنَّ أن الأمر سيكون في مجال السياسة والقوة والكمية، فصَدَق فيما أحس، لكنه لم يُحسِن التعبير عنه.

الأساس الثاني: شعر «سعيدٌ القديم» كما شعر بعض السياسيين ونوابغُ الأدباء، بأن ثمة استبدادًا يلوح في الأفق، فأعَدُّوا العدة لمواجهته، ومع أن هذا الحس المُسبق كان بحاجةٍ إلى التعبير والتأويل، إلا أنهم وجدوا أمامهم استبدادًا صُوريًّا اسميًّا ضعيفًا، فراحوا يهاجمونه بغير تَبَيُّن؛ والحال أن الاستبداد الذي أفزعهم وأثار مخاوفهم كان سيأتي لاحقًا، ولم يكن ذاك الاستبدادُ الرسميُّ إلا ظلَّه الباهت، فهاجموه ظانين أنه هو الأصل، فكان المقصَد صحيحًا، وكان الهدف خطأً.

فهكذا، لقد أحسَّ «سعيدٌ القديم» بهذا الاستبداد الحالي الرهيب مِن قَبل، وله في بعض مؤلفاته ما يبين هجومَه عليه؛ وكان يرى في المشروطية المشروعة وسيلةَ نجاةٍ من ذلك الاستبداد الفظيع المروِّع، وكان يبذل مساعيه على أملِ أنْ تدفعَ الحريةُ الشرعيةُ هذه المصيبةَ المروعة من خلال الشورى في دائرة أحكام القرآن.

ثم إن حقيقة المدرسة الزهراء التي وردت في ختام «رسالة المناظرات»، والتي تُعَدُّ أساسَ هذه الرسالة وروضتَها، كانت أرضيةَ التحضير لمدرسة رسائل النور التي ستظهر في المستقبل، بحيث كان يُساق إليها بغير علمه ولا اختياره.

وكان يبحث بحسٍّ مسبقٍ عن هذه الحقيقة النورانية بصورتها المادية، فأخذت تظهر فيما بعد، إذ مَنَحَ السلطان رشاد رحمه الله مبلغَ تسع عشرةَ ألفَ ليرةٍ ذهبيةٍ لإنشاء المدرسة الزهراء في «وان»، ووُضِع حجر الأساس لها، إلا أن الحرب العالمية الأولى اندلعت، فتأخر إنجاز المشروع.