296

وهذا آخر بياناتي:

لو فرضنا جدلًا أن رسائل النور -كما جاء في تقارير المخبِرين والمفسدين- تُعارض بعضَ سياسات الحكومة وقوانينِها ولا توافقها، وأنها تحمل قناعاتٍ سياسيةً مغايرة وأفكارًا معارِضة، وأنها بعمومها لا تتحدث عن الإيمان بل عن السياسة؛ فإني أقول جوابًا على هذا الادعاء الظاهر افتراؤه:

ما دامت الجمهوريَّةُ أوسعَ أشكال الحرية، وما دامت الحكومةُ قد قَبِلَتْ أكثرَ أشكال الجمهوريَّة تحرُّرًا، فليس لحريَّةِ الجمهوريَّة أن تُجرِّمَ الحريَّةَ العلميَّةَ بحال، أو تضعَ أفكارها الصائبة وقناعاتها العلميَّة الحقيقيَّة القطعيَّة التي لا تُرَدّ تحت وصاية الاستبداد ما دامتْ لا تُخِلُّ بالأمن؛ أجل، وهل في العالَم حكومةٌ يكون الجميعُ منها على قناعةٍ سياسيَّةٍ واحدة؟!

ولنفرض جدلًا أنني كتبتُ قناعاتي السياسيةَ خُفيةً لنفسي، وأطلعتُ عليها بعضَ خواصِّ أصحابي، فإني لم أسمع بقوانينَ تقول: إن في هذا جُرْمًا؛ والحالُ
أن رسائل النور إنما تبحثُ في الإيمان، ولم تَسقُط في ظلمة السياسة، بل لا تتنزَّل
إليها أصلًا.

ولو فرضنا أن ملحدًا جاهلًا بماهيَّةِ الجمهورية العلمانية قال: «إن رسائلَك تشكِّل تيارًا دينيًّا قويًّا، وتعارض مبادئ الجمهوريَّة اللادينيَّة».

فالجواب: نحن نعلم أن الجمهوريَّة العلمانيَّة تعني فصل الدين عن الدنيا، أما أن تعني ما لا يخطر بالبال من رفضِ الدين، وأن تكون بغير دينٍ مطلقًا، فهذا أمرٌ لا يَقبله إلا ملحدٌ في غاية الحماقة.

أجل، فكما لم تعشْ أمةٌ في الدنيا بلا دين، فقد تميزت أُمَّة الترك عبر العصور بأنها كانت مسلمةً حيثما وُجِدتْ في أقطار العالَم، بينما يوجد في سائر الشعوب الإسلاميَّة الأخرى مهما صغُرتْ فريقٌ غير مسلم.