279

الجواب:

أوَّلًا: الإمكان شيء، والوقوع شيءٌ آخَر؛ فلدى كلِّ فردٍ إمكانيَّةُ قتلِ أناسٍ كثيرين، فهل يُحاكَم بهذا الاعتبار؟! ويمكن لأيِّ عودِ ثِقابٍ أن يُحرِق دارًا عظيمةً، فهل يُزال الكبريت من الوجود لوجود هذه الإمكانية فيه؟!

ثانيًا: حاشا ثم حاشا مئةَ ألفِ مرة أن تكون العلوم الإيمانيَّة التي نشتغل بها أداةً لشيءٍ سوى مرضاة الله تعالى.

أجل، فكما لا يمكن أن تكون الشمسُ تابعةً للقمر، كذلك لا يمكن للإيمان الذي هو المفتاحُ النورانيُّ القدسيُّ للسعادة الأبديَّة، وشمسُ الحياة الأخروية، أن يكون أداةً بِيَدِ الحياة السياسية.

أجل، فليس ثمة مسألةٌ كونيَّةٌ أهمَّ من سرِّ الإيمان الذي هو أعظم مسألةٍ في الكون، وأكبرُ لغزٍ في خلق العالَم، حتى يكونَ أداةً لها.

هيئةَ المحكمة..

ثِقوا أنه لو كان توقيفي الشاقُّ المُضني متعلِّقًا بشخصي وبحياتي الدنيوية فحسْب، لسكتُّ مرةً أخرى كما سكتُّ طَوالَ عشر سنين؛ لكنه لما كان متعلِّقًا بالحياة الأبديَّة لكثيرٍ من الناس، وبرسائلِ النور المفسِّرةِ لما يكشِف عن طِلسِم الكون العظيم، فإني لو كان لي مئةُ رأسٍ، يُقطَعُ كلَّ يومٍ واحدٌ منها، ما تخلَّيْتُ عن هذا الأمر العظيم؛ فلئن نجوتُ من قبضتكم فلا منجى لي -أنا الهرِم عند باب القبر- من براثن الأجل.

انظروا إلى مسألةٍ تعود إلى طِلْسِم الكون المدهِش، ذلك الطِّلْسِم الذي كان القرآنُ الحكيمُ كَشَّافَه، وكانت رسائلُ النور المفسِّرَ لذلك الكشاف العظيم تفسيرًا كأنما تُجَلِّيه أمام الأعين بما أَوْرَدَتْه من مئاتِ المسائل، إنها مسألةُ سرِّ الإيمان المتعلِّقِ بالأجل والقبر اللذَيْن سيصير إليهما كلُّ إنسان.