298

قبل تاريخ 28 تموز/يوليو 1933م، أدَّعي بأنه لم يعُد ثمة داعٍ لملاحقة هذه الرسائل، وأطالب بإعادتها وبرفع الظلم عنا على الفور.

فإنْ قال سِكِّيرٌ فاقدُ التمييز عديمُ الوجدان، يرى الماهيَّةَ الإنسانيَّة في أحطِّ درجات الحيوانيَّة وأشقاها، ويتوهَّم الدنيا دائمةً لا تزول، ويتخيَّل الإنسان باقيًا لا يموت: «إن جميع رسائلك تعطي دروسًا إيمانيَّةً شديدة القوة، فتُفتِّر الاندفاعَ نحو الدنيا، وتحوِّل النظر نحو الآخرة، والحال أننا لا يمكننا أن نعيش في هذا الزمان إلا متوجِّهين إلى الحياة الدنيا بكلِّ قوَّتنا واهتمامنا وعقولنا، لأن الحفاظ على الوجود والاحتراس من الأعداء بات أمرًا شديدَ الصعوبة في هذه الأيام».

فالجواب:صحيحٌ أنَّ دروس الإيمان التحقيقي تُوجِّه النَّظر نحو الآخرة، إلا أنها بإظهارها الدنيا مزرعةً للآخرة وسوقًا ومصنعًا لها، تدفع لمزيدٍ من العمل للحياة الدنيا.

ثمَّ إنَّها تورِث القوةَ المعنويَّةَ بشكلٍ متين، وهي قوةٌ تنهار انهيارًا مُريعًا متى عُدِم الإيمان؛ ثم إنها تنتشل مَن سقطوا في العطالة والتفلُّت نتيجةَ اليأس، وتدفعُهم للسعي والهمة والحماس، فهل يَقبل يا تُرى الذين يريدون الحياة الدنيا وجودَ قانونٍ يَحظُر دروسَ الإيمان التحقيقيِّ المُثبَتِ بدلائل لا تقبل الاعتراض، وهو الذي يُحفِّز على السعي لِلذَّةِ الحياة الدنيويَّة من جهة، ويؤمِّن من جهةٍ أخرى القوةَ المعنويَّة التي هي ركيزة الصمود أمام المصائب اللامحدودة؟! أيُمكن وجودُ قانونٍ كهذا؟!

فإن قال جاهلٌ يدَّعي الغَيرة على الوطن، ولا يدري شيئًا عن الأسس الحقيقيَّة لإدارةِ الشعب وأمنِ البلاد: إنك ربما عارضتَ النظام الحاكم من غير تحفُّظٍ ولا احتياط، فتقعُ بالبلاد فتنةٌ عظيمةٌ لقوةِ تأثير رسائلك، فضلًا عن أن هذه الرسائل نفسَها يمكن أن تُتَّخَذَ مستندًا لمن يعارضون النظام الحالي ويسعون لضرب الأمن والاستقرار؛ فنحن لهذه الأسباب نعترض سبيلك.