280

فهل يمكنُ يا تُرى أن تكون جميعُ مسائلِ العالَم السياسيةِ العظيمةِ أعظمَ من الموت والأجل عندَ مَن آمنَ به، حتى يَجعلَ منه أداةً لها؟!

ذلك أنَّ الأجلَ الذي يمكن أن يقطع الرأس في أيِّة لحظة، إذ ليس له وقتٌ معيَّن، هو إما إعدامٌ أبديٌّ، وإما جوازُ سفرٍ للذهاب إلى عالَمٍ أجمل؛ وأنَّ القبرَ الذي لا يُغلَق لحظةً، هو إما بابٌ لبئرِ العدم والظُّلمات الأبديَّة، وإما بابٌ لعالَمٍ أدوَمَ وأبقى وأنوَر.

فهكذا تُجلِّي رسائلُ النور بفيضِ الكشفيَّات القرآنيَّة القدسيَّة، وبقطعيَّةٍ كقطعيةِ أن (2×2=4)، وتكشِفُ عن حَلٍّ قطعيٍّ لا شبهةَ فيه، يُبدِّل الأجلَ من إعدامٍ أبديٍّ إلى جواز سفر، ويبدِّل القبرَ من بئرِ عدمٍ لا قرار لها إلى بابِ حديقةٍ غَنَّاء؛ فلو كان لي مُلْكُ الدنيا بأسرها ما ترددتُ في التضحية به لأجد هذا الحل؛ وهذا ما يفعله كلُّ ذي لُبّ.

فرسائل النور أيها السادة، كشفتْ عن مئاتِ المسائل الإيمانيَّة أمثالِ هذه المسألة ووضَّحتْها؛ فأيُّ إنصافٍ يَسمح، وأيُّ عقلٍ يَقبل، وأيُّ قانونٍ يقضي بأنْ يُنظَر إليها على أنها منشوراتٌ هدَّامة وكُتُبٌ مُغرِضة تُتَّخَذُ أداةً لتيَّاراتٍ سياسيَّة؟! حاشاها من ذلك ثم حاشاها مئةَ ألفِ مرَّة.

تُرى، ألن يتعرَّض الذين تسبَّبوا بهذه التُّهمة للمساءلة؟! ألن يُسائلَهم جيلُ المستقبل الآتي، وأهلُ الآخرة التي هي المستقبل الحقيقي، ألن يسألهم الحاكمُ ذو الجلال سبحانه؟!

ثم إنه ينبغي على مَن يحكمون هذا الشعب المتديِّن فطرةً في هذا الوطن المبارَك أن ينحازوا للتديُّن ويشجِّعوا عليه، فذلك ما تُمليه عليهم وظيفةُ الحُكم.

ثم ما دام من مبادئ الجمهوريَّة العلمانيَّة أن تقف على الحياد في شأن الدين، فلا تتعرَّضَ للملحدين واللادينيين، فلا بد أنه يلزمها بالمقابل ألّا تتعرَّض للمتديِّنين بأي ذريعة.