284

وإحدى حِكَم هذه الحالة قناعتي بأن الله تعالى جعل في قلبي مُجانبةً ونُفْرةً شديدةً من السياسة، لئلا يُحرَم من حقائق الإيمان كثيرٌ من المتلهفين إليها ممن دخلوا في سلك وظائف الدولة، أو يَنظروا إليها بعين الرِّيْبة والانتقاد.

…….

استُجوِب المُقدَّمُ المرحوم «عاصم بك»، [هو المقدَّم أحمد عاصم أونَرْدَم، عمل ضابطًا في الجيش العثماني، وخدم في أماكن عدةٍ من البلاد العربية والأناضول، تعرَّف إلى الأستاذ حين نُفيَ إلى «بوردُر» وكان من أقرانه في السن، وقدَّم خدماتٍ جليلةً في نسخ الرسائل ونشرها، توفي بـ«إسبارطة» في نيسان/أبريل 1935م إثر استجوابه عن صلته بالأستاذ النورسيِّ المعتقل حينئذٍ في «أسكي شَهِر»؛ هـ ت] فرأى أنه إنْ صَدَق لحِق الضررُ بأستاذه، وإنْ كذَب عزَّ ذلك على شرفه العسكري النزيه المستقيم الممتد أربعين سنة، فدعا ربَّه: «اللهم اقبضني إليك»، فقُبضَتْ روحُه بعدها بدقائق، وأمسى شهيدَ الاستقامة، وراح ضحيَّةَ أخطاءٍ شنيعةٍ ارتكبها أناسٌ اعتبروا التعاونَ على الخير وموالاةَ أهله خطيئةً، مع أنه لا يُحاسِب عليهما أيُّ قانونٍ في الدنيا.

نعم، إن مَن تلقَّى الدرس التام من رسائل النور يَعُدُّ الموت جوازَ سفر، فيَحتسي كأسَ المنيَّة بسهولةٍ كأنما يشرب كأسًا من الماء، ولولا قلقي على إخواني الذين سيبقَون في الدنيا من بعدي واهتمامي بآلامهم، لقلتُ كما قال أخي العزيز «عاصم بك»: «اللهم فاقبِضْني إليك أيضًا».

ومهما يكن من أمرٍ، فإنَّ من أسباب اتهامي:

المادة الثالثة: وهي أن رسائل النور، بانتشارِها دون إذنِ الحكومة، وتعزيزِها الشعورَ الإيماني، قد تقف في المستقبل عائقًا أمام المبادئ التحرريَّة للحكومة، وتُخِلُّ بالأمن العام.

فالجواب: إن رسائل النور نورٌ، ولا يتأتَّى من النور ضرر؛ وقد ألقَتْ هِراوةَ السياسة مِن يدها منذ البداية قبل ثلاث عشرة سنة، وعكفتْ على ترسيخ الحقائق