528

فإن التزم أهلُ الحقِّ طريقَ الحقِّ والعدالة في الردِّ، فبطشوا بمن بطَش بهم فحسْب، كانت مكاسبهم واحدًا وكانت خسارتُهم ثلاثين، وبذلك يظلُّون في موقع المغلوب أيضًا.

وإن نكَّلوا بعشرين أو ثلاثين من البسطاء المساكين لجريرةِ واحدٍ أو اثنين، عملًا بقاعدة المقابلة بالمثل، كانوا مرتكبين ظلمًا شنيعًا باسم الحق.

فهذه هي الحكمة الحقيقية والسبب الحقيقي وراء فِرارنا من السياسة والتدخُّلِ في شؤونها فرارًا شديدًا مصحوبًا بغاية النفور والإعراض، وما ذاك إلا بأمر القرآن الكريم، وإلا فإنَّ لنا من قوةِ الحق ما نستطيع به الدفاع عن حقِّنا أتمَّ دفاعٍ وأكملَه.

ثم ما دام كلُّ شيءٍ مؤقتًا فانيًا، وما دام الموت لا يموت، وباب القبر لا يُغلَق، وما دامت المشقَّة تنقلب إلى رحمة، فإننا لا مَحالة نلتزمُ الصمت متوكِّلين آخذين بالصبر والشكر، أما العمل على إخراجنا من صمتنا بالقوة والإكراه فمخالفٌ ومُنافٍ كليًّا للإنصاف والعدالة والغَيرةِ الوطنية والحَميَّة القومية.

وخلاصةُ الكلام أنه ليس لدينا أيُّ عملٍ يدفع رجالَ الحكومة وأهلَ السياسة والقائمين على إدارة البلاد ورجالَ القضاء والشرطة والأمن للانشغال بنا؛ بل إنْ كان لا بدَّ ثمة أمرٌ يستدعي الملاحقة فعلًا فهو أن هناك فريقًا من الزنادقة العاملين في الخفاء، يحملون طاعونًا بشريًّا رهيبًا، ويروِّجون لكفرٍ مطلقٍ لا تقبله أيُّ حكومةٍ في الدنيا، ولا يرضاه صاحب عقل، قد جمعهم التعصُّب لزندقتهم الناجمةِ عن الفلسفة المادية، فضلَّلوا بأساليبهم الشيطانية بعضَ المسؤولين الرسميين، وأثاروا هواجسهم ومخاوفهم ضدنا.

ونحن نقول: لو حرَّضوا علينا العالَم بأسره لا مجرد حفنةٍ من الأشخاص المتوجِّسين كهؤلاء، ما تولَّينا عن المواجهة بقوة القرآن وعناية الرحمن، ولا استسلمنا لتلك الزندقة والكفر المطلق المرتد.

 سعيد النُّورْسِيّ

***