520

ولنفرض أنني معارضٌ سياسي، فإنه لا يُتصوَّر من رجلٍ قطع صلتَه بالدنيا ومات معنًى منذ عشرين سنة -بإقراركم-، أن يُبعَث ثانيةً ليخوض في مواجهتكم غمارَ حياةٍ سياسيةٍ تضرُّه ولا تنفعُه.. إنَّ توَهُّمَ المعارضة السياسية من رجلٍ كهذا ليس إلا جنونًا؛ وما دام الكلام الرصين مع المجانين جنونًا، فإنني أترك الكلام مع أمثالكم.

وقلتُ لهم: افعلوا ما شئتم، لا مِنَّة لكم عليَّ؛ فأغضبهم قولي هذا وأسكتهم في الوقت نفسه.

وآخر قولي: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173].. ﴿حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة:129].

***

حين نُقِل بديعُ الزمان سعيد النُّورْسِيّ وطلابُه إلى المحكمة، عَمِل أعداء الإسلام على نشر أجواء الخوف والرهبة، ودفعوا الجهات الرسمية لنشرِ معلوماتٍ مِلْؤُها الكذب والافتراء، وسَعَوا في إبعاد الناس عنه وعن رسائل النور، ودبَّروا المكائد للإيقاع بين طلاب النور وشقِّ صفِّهم وزعزعةِ تساندهم.

وكان الإجراء المتَّبع غالبًا بحقِّ الأستاذ النُّورْسِيّ في كلِّ سجنٍ دخله أن يوضَع في زنزانةٍ انفراديةٍ ويُمنَع من مقابلة الآخرين، ولهذا كتبَ كعادته رسائلَ إلى طلابه الذين كانوا معه في سجن «دَنِزْلي» نفسه ينبههم ويوصيهم فيها ألا ينخدعوا بالحملات المغرِضة، ويُطَمْئِن حاجتهم الروحية إذ كانوا بأحرِّ الشوق إلى لقاء أستاذهم الحبيب، وكانوا في المقابل يتولَّون عملية الحصول على رسائل الأستاذ ومؤلفاته التي يكتبها في السجن، ونُدرِج هنا بعضًا من هذه الرسائل.

***