524

وثانيتُها: أنه كانت لي رغبةٌ شديدةٌ -كما في كلِّ عام- في أنْ ألتقي بكم وأكون قريبًا منكم، ولقد كنتُ أرضى أن أتحمل هذه المشاقَّ التي قاسَيتُها على أمل أن آتي إلى «إسبارطة» وألتقي ولو بواحدٍ منكم. [وقد تيسَّر اللقاء بهم في السجن، فكانت حادثة سَجن «دَنِزْلي» هذه سببًا في لقائه بطلابه بعد طول غياب؛ هـ ت]

وثالثتُها: أن جميع الأحوال الأليمة، سواءٌ منها ما كان في «قسطمونو» أو في الطريق أو هنا، قد أخذتْ تتبدَّل فجأةً بشكلٍ يفوق العادة، وظهرتْ يدُ العناية في كلِّ أمرٍ جرى على خلافِ ما كنتُ أرجو وأتوقَّع؛ مما يجعل المرء يردِّد: الخير فيما اختاره الله.

وأكثر ما يثير تفكيري أن هذه الحادثة قد دفعتْ أشدَّ الناس وقوعًا في الغفلة -أعني مَن يشغلون مناصبَ دنيويةً رفيعة- واضطرَّتْهم لقراءةِ رسائل النور بمنتهى التدقيق والانتباه، فمهَّدت بذلك الطريقَ لفتوحاتٍ في ميادين جديدة.

ثم إنه برغمِ جميعِ الآلام والحسرات التي توالتْ عليَّ من جرَّاء ما تلاقون من شدائد، وهذا أكثر ما يحُزُّ في نفسي فضلًا عن آلامي، إلا أن وقوعَ هذه الحادثة في شهر رمضان المبارك الذي تُضاعَف فيه العبادة إلى مئةِ ضعف، وكونَها مصيبةً يتضاعف بها الأجر إلى عشرة أضعاف، قد ضاعف أجورَكم إلى الألف، وإن وقوع حادثةٍ كهذه مع أشخاصٍ أفاضل مخلصين أمثالكم قد تلقوا الدرس تامًّا من رسائل النور، وعلموا أن الدنيا فانية، وأنها ليست سوى مَتْجر، وضحَّوا بكلِّ شيءٍ في سبيل الإيمان والآخرة، وآمنوا بأن كلَّ هذه الشدائد المؤقتة في هذه المدرسة اليوسفية ستعود عليهم بفوائد ومَسَرَّاتٍ دائمة، أقول: إن وقوع حادثةٍ كهذه لأمثالكم تُبَدِّل حالكم التي تثير الشفقة والرثاء إلى حالٍ تستحق التهنئة والتقدير والاستحسان لصبركم وثباتكم؛ فقلتُ كذلك: الحمد لله على كلِّ حالٍ سوى الكفر والضلال.

وفضلًا عن هذه الفوائد العائدة إليَّ، فإن لهذه الحادثة فوائد أخرى كثيرةً تعود عليكم وعلى أُخوَّتنا وعلى رسائل النور وعلى شهرنا المبارك هذا، بحيث إنني على يقينٍ