391

فإن التقوى باعتبارها درءًا للمفاسد وتركًا للكبائر تُعَدُّ أسَّ الأساس والأَولى بالتقديم في هذا الزمان، زمانِ الإفساد والرذيلة والأهواء الجذابة.

وهي أعظم أساسٍ في مواجهة الإفساد والتيارات السلبية الهدَّامة المستشرية في هذا الزمان، فمؤدِّي الفرائض التاركُ للكبائر ناجٍ، والتوفيقُ للعمل الصالح بإخلاصٍ في خضَمِّ هذه الكبائر العظيمة أمرٌ جدُّ قليل، ثم إن العمل الصالح المؤدَّى في هذه الظروف الصعبة هو بحكم عملٍ كثير، على أن في التقوى نوعَ عملٍ صالح، لأن ترك الحرام واجب، وفِعْلَ الواجب الواحد له من الأجر ما يعادل أجور سننٍ كثيرة؛ وفي مثل هذا الزمان الذي تهاجمُ المرءَ فيه آلافُ الآثام، يصبح اجتنابٌ واحدٌ يؤديه باليسير من العمل بمثابة تركِ مئات الآثام وفعل مئات الواجبات.

ومن هذه النقطة المهمة نجد أعمالًا صالحةً جليلةً تأتَّت من عبادةٍ قِوامُها الكفُّ والتركُ لا الفعل، وذلك بمجرد النية وقصد اجتناب الإثم باسم التقوى؛ وإن أهم وظيفةٍ تَلْزَم تلاميذ رسائل النور في هذا الزمان هي أن يتخذوا التقوى أساسًا لهم، ويتحركوا وفقًا لها في مواجهة الإفسادات والآثام.

وما دام الإنسان يواجه مئات الآثام على مدار الدقائق في نمط الحياة الاجتماعية اليوم، فلا شك أن يصير بالتقوى وبنيَّة الاجتناب بمثابة من يعمل مئات الأعمال الصالحة.

ومعلومٌ أنه لا يمكن لعشرين رجلًا أن يُعيدوا في عشرين يومًا بناءَ قصرٍ دمَّره رجلٌ واحدٌ في يومٍ واحد، فإذا كانتْ مواجهة إفساد رجلٍ واحد تستلزم جهودَ عشرين رجلًا، فإن مقاومة مصلحٍ واحدٍ كرسائل النور وتأثيراتِها في مقابل آلاف المفسدين لتُعَدُّ جِدَّ خارقة، ولو أن هاتين القوتين المتقابلتين كانتا على سويةٍ واحدة لشوهِد في إصلاحات رسائل النور فتوحاتٌ ونجاحاتٌ أشبهُ بالمعجزات.