394

أجل، فبينما كنا بأمسِّ الحاجة إلى سلوانٍ قدسيٍّ في زمنٍ عصيب في سجن «أسكي شَهِر»، إذْ قيل لي بإخطارٍ معنوي: إنك تورِد لرسائل النور شواهد من كلام الأولياء السابقين، مع أن القرآن هو الأَولى بهذه المسألة بسرِّ آية: ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59]؛ فهل يقبل القرآنُ الكريم رسائلَ النور يا ترى؟ وبأيِّ نظرٍ ينظر إليها؟

وجدتُ نفسي أواجه هذا السؤال العجيب، فطلبتُ المدد من القرآن، فإذا بي أشعر في غضون ساعةٍ أن رسائل النور مندرجةٌ ضمن ثلاثٍ وثلاثين آيةً كفردٍ داخلٍ في كُلِّيةِ معناها الإشاري الذي هو طبقةٌ من طبقاتِ معناها الصريح وتفرعاته، وبأن ثمةَ قرينةً قويةً على دخولها فيه وامتيازها؛ ورأيت بعضَ ذلك واضحًا بدرجةٍ ما، وبعضَه الآخر مُجملًا، فلم يعد يُخالج قناعتي شيءٌ من الشك أو الشبهة أو الوسوسة أو الوهم، وكتبتُ قناعتي القطعيةَ هذه بنيَّةِ الحفاظ على إيمان أهل الإيمان برسائل النور، وأعطيتُها لخواصِّ إخواني بشرط الحفاظ على خصوصيتها؛ ولسنا نقول في تلك الرسالة: إن هذا هو المعنى الصريحُ للآية، حتى يقولَ عنه المشايخ: فيه نَظَرٌ؛ كما لم نَقُل: إن هذا هو كُلِّيةُ المعنى الإشاري وتمامُه.

وإنما نقول: إن تحت المعنى الصريح طبقاتٍ متعددةً من المعاني، إحداها طبقةُ المعنى الإشاري والرمزي، ثم إن هذا المعنى الإشاريَّ كليٌّ، له جزئياتٌ وأفرادٌ في كل عصر، ورسائل النور هي أحد أفراده في هذا العصر؛ فإذا عُرِضت قرائنُ -بل حججٌ- بدستورٍ جِفْريٍّ رياضيٍّ جارٍ بين العلماء منذ القديم تشيرُ إلى أنَّ هذا الفردَ سيكون محطَّ الأنظار قصدًا، وأنه سيؤدي وظيفةً جليلة، فليس في هذا ما يخدش ظاهرَ آيات القرآن أو صريحَه، بل إنما يخدم إعجازَه وبلاغتَه، فلا اعتراض على هذا النوع من الإشارات الغيبية.

وإن لأهل الحقيقة استنباطاتٍ لا تُعَدّ، استنبطوها من إشاراتٍ قرآنيةٍ لا تُحَدّ، فلا ينكر تلك من لا يستطيع إنكار هذه، بل لا يمكنه ذلك.