395

أما ذلك المعترض الذي استغرب واستبعد ظهورَ مؤلفاتٍ مهمةٍ على يد رجلٍ لا أهمية له مثلي، فإنه لو تفكَّر في أن من دلائل العَظَمة والقدرة الإلهيتين خَلْقَ شجرةِ صنوبرٍ كالجبل من بذرةٍ بحجم حبة قمح، لوجد نفسه مضطرًّا للقول بأن من دلائل سَعَة الرحمة الإلهية ظهورَ مثل هذه المؤلفات في زمن الحاجة الماسّة على يدِ من هو في عجزٍ مطلقٍ وفقرٍ مطلقٍ مثلي.

وإنني من موقع رسائل النور ومكانتها أُطمئنكم وأُطمئن المعترضين بأن هذه الإشارات، وتلك الإخبارات والرموز الإيمانية من الأولياء قد دفعتني دومًا إلى الحمد والشكر، وإلى الاستغفار من نواقصي وعيوبي، وأنها لم تُورِث نفسيَ الأمارةَ أنانيةً أو حبًّا للذات يكون مبعث فخر وغرورٍ لها ولو لحظةً واحدة، وهذا أمرٌ أُثبته لكم بما هو مُشاهَدٌ من أحوالي على مدى عشرين سنةً خَلَت.

أجل، وفضلًا عن هذه الحقيقة، فلا أحد يخلو من العيب والسهو والنسيان، وإن لي نواقص وعيوبًا كثيرةً لا أعرفها، وربما كنت في بعض الأحيان مشوَّش الذهن فتقع في الرسائل أخطاء.

وإذا كانت المسالك والمشارب في هذا الزمان، مع ما فيها من ملايين المُضحِّين الأقوياء الصادقين، قد هُزِمت ظاهرًا أمام هجوم الضلالة الشرس، فإن مَن كان مثلي عديمَ الحيلة وشِبهَ أُمِّيٍّ يعيش وحيدًا تحت مراقبةٍ دائمة، ويسكن مقابل المخفر، وتُشَنُّ عليه حمَلاتٌ مغرِضةٌ رهيبةٌ من شتى الجهات، ويُنَفَّر الناس عنه، لا يمكن أن يكون هو صاحبَ رسائل النور التي سبقت تلك المسالك، وصمدت في تلك المواجهات؛ أجل، ولا يمكن أن تكون هذه المؤلفات من بنات أفكاره، وليس له أن يفتخر بها، وإنما هي محضُ معجزةٍ معنويةٍ من معجزات القرآن الحكيم في هذا الزمان، جاءتْ إحسانًا من الرحمة الإلهية؛ فمدَّ الرجل ومعه آلافٌ من أصحابه أيديَهم نحو تلك الهدية القرآنية فوقعت عليه بنحوٍ ما وظيفةُ التُّرجمان الأول.