398

إخواني الأعزاء الأوفياء المدقِّقين المستقيمين.. ثمة حقيقةٌ لا بد من بيانِها بتنبيهٍ في غاية الجدِّيِّة، وهي أن أهل الولاية لا يعلمون شيئًا من الأمور الغيبية إنْ لم يُعْلَموا بها، مصداقًا للآية الكريمة: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل:65].

وإن الحرب التي جرت بين بعض العشرة المبشرين بالجنة تُظْهِر منازعةَ أكبر وليٍّ لخصمه بغير حقِّ، لعدم علمه بحقيقة حاله؛ بمعنى أنه إنْ أنكر وليٌّ أو أحدٌ من أهل الحقيقة أمرًا على آخر، لم يَسقطا بذلك من مقامهما، إلا أن يكون مخالفةً تامَّةً لظاهر الشريعة أو اجتهادًا ظاهرَ الخطأ.

فبناءً على هذا السر..

واتباعًا لدستورِ علوِّ الجناب الذي نصَّتْ عليه الآية: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران:134].

وبناءً على وجوب حفظِ إيمان عوامِّ المؤمنين من التزعزع بعدمِ كسرِ حسنِ ظنهم تجاه المشايخ، ووجوبِ التجرُّد من الانفعالات الضارة -وإن كانت مُحِقَّة- عند الردِّ على الاعتراضات الباطلة الواردة على أركان رسائل النور..

واجتنابًا لاستفادةِ أهل الإلحاد من الخصومة بين طائفتين من أهل الحق، إذْ يَجرحون إحداهما بسلاح الأخرى واعتراضِها، ويدحضون الأخرى بدلائل الأولى، ثم يُجْهِزون عليهما معًا ويهزمونهما..

أقول بناءً على هذه الأسس الأربعة: يجب على تلاميذ رسائل النور ألَّا يقابلوا المعارضين بالحدة والتهوُّر ولا بالمثل، وإنما عليهم أن يلتزموا المسالمة ويقدِّموا الإجابة والإيضاح عن نقاط الاعتراض دفاعًا عن أنفسهم لا غير، فإن الأنانية قد طَغَتْ في هذا الزمان حتى بات كلُّ امرئٍ يأنف من أن يذيب أنانيته التي تُشبِه قطعةَ جليدٍ بطولِ قامته، بل يرى نفسه معذورًا، ومن هنا ينشأ النزاع، فيتضرر أهل الحق، ويستفيد أهل الضلالة.