630

ثم إنه لا لزوم لذَمِّ من ماتوا، فقد رحلوا إلى الآخرة دارِ الجزاء، ولقد مَنَع أهل السنة والجماعة فتحَ باب الجدال حول الفِتَن التي جَرَت زمنَ الصحابة رضي الله عنهم، إذْ ليس من مقتضى محبة آل البيت الذين أُمِرنا بمحبتهم أن نذكر معايب أولئك الذين رحلوا، فهو أمرٌ لا يوجد ما يستلزمه، بل يعود بالضرر.

وقد قرَّر أهل السنة والجماعة فيما يَخصُّ وقعة الجمل التي اشترك فيها طلحة والزبير -وهما من العشرة المبشَّرين بالجنة رضي الله عنهم-، وكذا السيدةُ عائشةُ الصِّدِّيقة رضي الله عنها، أن هذه الحرب كانت نتيجةَ اجتهاد، وأن سيدَنا عليًّا رضي الله عنه كان هو المُحِقَّ، وأن الطرف الآخر لم يكن على حق، لكن يُغفَر لهم لأن الأمر كان نتيجة اجتهاد؛ ورأوا كذلك أن فتح باب الحديث عن البُغاة في حرب صِفِّين أمرٌ يعود بالضرر، إذْ يستثير النزعةَ الوهابية من جهة، ومذاهبَ الروافض المُفرِطة من جهةٍ أخرى، فيتضرر الدين وأهلُه.

ولقد قال سعد الدين التفتازاني -وهو عَلَّامةٌ من أكبر علماء الكلام- قال بشأن الأسافل أمثالِ يزيد والوليد [أما يزيد فابنُ معاوية بنِ أبي سفيان، وهو ثاني حكام بني أمية؛ وأما الوليد فهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، وهو الحادي عشر بين حكام بني أمية؛ هـ ت] والحجَّاج الظالم: «إنَّ لَعْن يزيدٍ جائز»؛ ولم يقل: إنه واجبٌ أو خيرٌ يُثابُ عليه؛ ذلك أن مَن ينكِرون القرآن ويجحدون بالنبي (ص) ويرفضون مرتبةَ الصُّحبة القدسية التي حازها الصحابة الكرام كثيرون لا يُحصَون عددًا، ومنهم كثيرون لهم صولةٌ وجولةٌ في هذه الأيام، وليس لعنُهم واجبًا ولا خيرًا يُثاب عليه، وليس على المرء من حرجٍ شرعًا إنْ أعرض عن ذكرهم أو لم يلعنْهم، لأن اللعن والذَّمَّ ليسا كالمدح والمحبة، ولا يُعدَّان من العمل الصالح، فإن نجم عنهما ضررٌ كانا أسوأ.

والواقع أن منافقي هذا الزمان الذين يتحركون في الخفاء، يعملون على ضربِ الإسلام من خلال فئةٍ من العلماء الذين هم أَولى مَن يُؤمَر ويُكلَّف بالدفاع عن الإسلام