631

والحقيقةِ القرآنية والذَّبِّ عنهما، إذْ يستغلونهم من خلال نزعةِ الغلوٍّ، ويستخدمونهم في اتهام أهلِ الحقيقةِ بالتشيُّع، موقِعين بذلك بين الفريقين، ولهم في هذا الميدان يدٌ طُولى، وقد ذكرتَ بعضًا من هذا في رسالتك؛ بل أنت تَعْلَم أن أقوى وسيلةٍ استعملوها ضدي وضد رسائل النور لم يجدوها إلا لدى العلماء أنفسهم.

وإن اجتهادَك الناشئ عن محبتك لآل البيت، والذي لا داعي لإظهاره في هذه الآونة، ربما تسبَّب بِشَنِّ حملةٍ عليك وعلى تلاميذِ رسائل النور، يَشُنُّها علماءُ تداولوا منذ زمنٍ بعيدٍ في اسطنبول كُتُبَ ابن تيمية وابن قَيِّمِ الجوزية، وهما من الأعلام المشاهير الأفذاذ، ومؤلفاتُهما عجيبةٌ جذابة، يساعدهم في ذلك علماءُ آخرون متلبِّسون بالبدع، محاربون للأولياء، يريدون التستُّر على مشاربهم المتساهلةِ مع البِدَع.

وإنه وإنْ لم يكن ثمة أمرٌ شرعيٌّ بالامتناع عن الذمِّ والتكفير، إلا أنه يوجد حكمٌ شرعيٌّ يترتب على فعلهما، فهما إنْ كانا بغير حقٍّ فالإثم كبير، وإنْ كانا بحقٍّ فلا خير فيهما ولا أجر، لأن مستحقي الذَّمِّ والتكفير لا حدَّ لهم، أما الامتناع عن الذمِّ والتكفير فليس فيه أيُّ حكمٍ شرعيٍّ، وليس فيه إثمٌ كذلك.

فلأجل هذا استرشدَ أهلُ الحقيقة بالقانون القدسي المستند إلى الحقيقة المذكورة التي قرَّرها أهل السنة وفي مقدِّمتهم الأئمة الأربعة وأئمة أهل البيت، فلم يرَوا من الجائز الخوضُ والجدالُ في الفِتَن التي جَرَتْ بين أهل الإسلام في العصر الأول، بل قرَّروا أنه عملٌ يضرُّ ولا ينفع.

ثم إنه قد وُجِد في كِلا طرفَي تلك الحروب عددٌ كبيرٌ من أجِلَّة الصحابة، فالخوض في تلك الفِتَن يُورِد إلى القلب اعتراضًا وإنكارًا مشوبًا بالانحياز ضد أولئك الصحابة الكرام، بل حتى ضد العشرة المبشَّرين بالجنة أمثال طلحة والزبير رضي الله عنهم؛ وحتى إنْ كانت تلك الحروب خطيئةً، فاحتمال التوبة قوي.