نُدرِج فيما يلي «الرجاء الخامس عشر» مقتبَسًا من «اللمعات»، وفيه يتحدث الأستاذ بنفسه عن حياته في «أميرداغ» و«أفيون».

الرجاء الخامس عشر

[بما أن تأليف رسائل النور قد اكتمل قبل ثلاث سنوات، فإن هذا «الرجاء الخامس عشر» كُتِب ليكون مرجعًا في تأليفِ «لمعةِ الشيوخ» وإكمالِها على يدِ أحد النُّوريِّين في المستقبل؛ المؤلِّف]

حين كنتُ تحت الإقامة الجبرية بـ«أميرداغ»، أعيش وحيدًا في منزلٍ أشبه ما يكون بالسجن الانفرادي، وقد أرهقني الأذى الذي ألاقيه من القوم جراءَ رقابتهم وتحكُّمهم، سَئِمتُ الحياةَ وأسِفتُ على خروجي من سجن «دَنِزْلي»، وتمنَّيتُ من أعماق قلبي العودةَ إليه أو دخولَ القبر، إذِ السجن والقبر أحبُّ إليَّ من هذا النمط من الحياة؛ وبينما أنا في هذه الحال إذْ أغاثتني العناية الإلهية، فقدَّمتْ آلةَ النسخ التي توفَّرتْ حديثًا لتلاميذ المدرسة الزهراء، وهم الذين كانت أقلامهم آلةَ نسخٍ قائمةً بذاتها؛ فصارت هي الأخرى قلمًا يكتب بين عشيةٍ وضحاها خمسَمئةِ نسخةٍ من كلِّ جزءٍ من أجزاء رسائل النور القيِّمة؛ وانطلقت فتوحاتها، فحبَّبتْ إليَّ تلك الحياةَ التي يغشاها الكرب، ودفعتني للشكر بلا حد.

وبعد حينٍ من الزمن ضاقت صدورُ أعداء الرسائل العاملين في الخفاء بما تَحقَّق من فتوحاتٍ نوريَّة، فحرَّضوا علينا الحكومة، وضاقت عليَّ الحياةُ ثانيةً، وإذا بالعناية الربانية تتجلى من جديد، وإذا بالمسؤولين المعنيين المحتاجين أحوجَ ما يكون إلى الأنوار، يطالعون بحكم وظيفتهم رسائلَ النور المصادَرة، ويقرؤونها بكلِّ عنايةٍ واهتمامٍ، فإذا بها تجذب قلوبهم، ويشرعون في تقديرها بدلًا من انتقادها، فاتَّسعت مدرسةُ النور أيَّما اتساع، وفاقتِ المنافعُ الأضرارَ بمئة ضعفٍ، وتلاشى ما كنا نعانيه من قلقٍ وكرب.