686

ثم إن الأعداء المنافقين العاملين في الخفاء لفتوا أنظار الحكومة إلى شخصي، وذكَّروها بحياتي السياسية السالفة، وأثاروا هواجسَ ومخاوفَ مؤسسات القضاء والتربية، وأجهزةِ الشرطة ووزارةِ الداخلية، وتضاعفت هذه الهواجس والمخاوف في خضم التيارات الحزبية، وتحريض الفوضويين المتوارين خلف واجهة الشيوعية، فشرعت تلك الجهات الرسمية بالتوقيف وتضييق الخناق ومصادرة ما وقع بأيديها من رسائل النور، وتوقفتْ أنشطة تلاميذ النور، ونَسَب إليَّ بعض المسؤولين الرسميين اتهاماتٍ لا يمكن أن يصدِّقها أحد، وعمِلوا على نشر إشاعاتٍ بالغة الغرابة، وغرضهم من ذلك كله القدحُ فيَّ والحطُّ من شأني، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا بها أحدًا.

ثم إنهم تذرَّعوا بحججٍ سخيفةٍ تافهةٍ، وقاموا بتوقيفي في أشدِّ أيام الشتاء القارس برودةً، ووضعوني مدةَ يومين كاملين منفردًا في غرفةٍ كبيرةٍ شديدة البرودة لا مدفأة فيها، هذا مع أني لضعفي ومرضي يصعب عليَّ تحمُّل البرد في غرفتي الصغيرة التي أوقِد مدفأتها عدةَ مراتٍ في اليوم الواحد مع بقاء المجمر متَّقِدًا.

وبينما أنا في هذه الأيام على هذه الحال [يقصد حاله التي كان عليها في سجن «أفيون» لحظة كتابته هذا الرجاء؛ هـ ت] أَختلِج من الحمى الناجمة عن البرد، ويغشاني الكرب، ويساورني الغضب، إذِ انكشفت في قلبي حقيقةٌ بفضل عنايةٍ إلهية، وأُخطِرت روحي الخاطرَ التالي معنًى:

«لقد أَطلقتَ على السجن اسمَ المدرسة اليوسُفية، ولقد تحقق لكَ في سجن «دَنِزْلي» من النتائج ما فاقَ معاناتَه ألفَ ضِعف، كالفرح والسرور، والربحِ المعنوي، واستفادةِ المساجين من الأنوار، وفتوحاتِ النور في الأوساط الرسمية والدوائر الكبرى، ما دَفَعك إلى الشكر مضاعفًا بدلًا من الشكوى، وجعل كلَّ ساعةٍ من ساعات السجنِ والمعاناةِ بمثابة عشرِ ساعاتٍ من العبادة، وجعل تلك الساعات الفانيةَ باقيةً؛ والأمرُ كذلك هنا،